mercredi 9 mai 2007

حوارات إذاعية: المخرج السينمائي السوري عمر أميرالاي




عمر اميرالاي لقاء الشرق 31/7/93.


*** أهلا بك في سلسلة لقاءات الشرق التي نجريها أسبوعيا للكشف قليلا عن الوجه الآخر للضيف .ما الذي ستخفيه اليوم؟

عمر اميرالاي : احب أن أتوقف عند كلمة الوجه الآخر ، اعتقد أنني كنت دائما وفيا مع نفسي و دائما كنت وفيا لوجه واحد .أما إذا كان وجها واحدا فهذا لا يعني انه لا يتطور .فهو يتلون حسب التجربة و نضج الإنسان و تجربته لكنه يبقى وجها واحدا ,لذا دعينا نتكلم عن هذا الوجه و بشفافية.
***هناك من يتساءل هل يستحق الآخرون أن نظهر لهم كل ما عندنا؟

عمر اميرالاي: الموضوع ليس الناس لأننا عندما نقوم بأي عملية كشف للذات ، نقوم بها مع أنفسنا أولا فهذا يريحنا، يحررنا من قيود تراكمت و جعلتنا نختفي وراءها كل هذا الزمن لأننا نعجز أن نظهر أمام للآخرين أو أنفسنا بالصورة التي نحن فعلا عليها بدون بهارات و ماكياج. العملية ليست بهذه السهولة ، السهل هو الكلام عنها و المزايدة عليها و لن يستحيل على الإنسان ألا يمكيج نفسه بالطريقة الصحيحة، لأننا أحيانا لا نكون ملك صنعها فهي تصنع نفسها من خلال نظرة الآخرين إلينا و يصبح الإنسان أسير هذه النظرة.

*** ما مدى تأثير نظرة الآخرين على عمر اميرالاي؟

عمر اميرالاي : لها تأثير على الإنسان بشكل عام .علي أنا؟ لا شك هناك جوانب، لكن لحسن الحظ تبقى الحياة في النهاية دائما هي الحكم لا نظرة الآخرين و لا محاولة إعطاء الصورة المنشّاة النظيفة المكوية. إذا كنا نعيش الحياة بعمق و بوجدانية و صدق سنتحمل تكسيراتها كما الموج. الموج يتكسر على الصخر صحيح و لكن لكي يرتد و يعود بشكل أقوى و هكذا الإنسان . التكسر على صخرة الحياة أمر لا بد منه و لكنه يرتد أحيانا بشكل اكثر نقاء و إشراقا.

***عمر اميرالاي هل يعجبك اسمك لا بد له رنة ووقع و معنى.
عمر اميرالاي : أنا لم اختر اسمي لكن جدي هو الذي فعل لانه كان عسكريا. و اميرالاي هي رتبة عسكرية عثمانية.لكن أنا خدمت في الجيش كعسكري عادي و طبعا عشت بعقدة عجيبة، حامل لرتبة عالية بالاسم و ينادونني (تعا يا حمار و روح يا اجدب) … الجيد أن عقلي كان كبيرا و تحملت هذه الازدواجية بالعلاقة، عدا عن انه خلال فترة معينة كان حمل أسماء طنانة كهذه يعرض الإنسان إلى مشاكل كبيرة في الإجراءات الإدارية عندما يكون اسمك علي باشا، رضا بك أو اميرالاي تعتبر هذه الأسماء تابعة للبرجوازية، للأرستقراطية العفنة و العهد البائد. فإذا ذهبت للحصول على تأشيرة خروج مثلا أو ما شابه ، تعامَلين و كأنك من المستحثات التي لا تزال على قيد الحياة و يظنون في إزعاجهم لك إداريا و بيروقراطيا انتقاما و ذلك بسبب وجود للأحكام المسبقة و النظرة التي كانت تسعى إلى تصفية الحسابات مع الماضي.





***هل ساهمت خدمتك في الجيش بتشكل قسوتك ؟يقال انك إنسان قاس بشكل عام.

عمر اميرالاي : لا أبدا لست قاسيا .عندما خدمت في الجيش كان عمري 28 سنة و قد أفدت من هذه التجربة على عدة مستويات، مثلا على المستوى الفيزيولوجي حيث مارست الرياضة اكثر مما يجب و أكلت بشكل جيد أيضا ،"علفونا منيح" و بالتالي شعرت بأنني أعيش في مجتمع قائم على المراتبية .مجتمعٌ العسكري فيه ليس عسكريا بل هو عبارة عن فرد في قطيع… ساعدتني التجربة على التعرف بشكل إنساني حياتي و يومي على أمور كثيرة. عندما أنام في مهجع، أنام مع أفراد آتون من منابت و بيئات مختلفة و هذا يجعلك تتقاسمين معهم أشياء مشتركة على المستوى الإنساني تختلف عن علاقتي مع الواقع الذي كان .هي علاقة ولو كانت متعاطفة و لو كان الإنسان يشعر بمشاعر الفلاح و الكادح و غير ذلك و لكنك تشعرين انك في الموقع الأقوى، كما لو كنت تشاهدين تحول هؤلاء الناس إلى ما هو عبارة عن جرذان اختبار و طبعا تملكين التفوق الثقافي لانك ترينهم بمجهرك الثقافي العالي .. هنا لا ! أقاسمهم طبق الطعام نفسه، اكسر أضراسي بالرمل و البحص مثلهم ، أتلقى الصفعات نفسها و بالتالي يخاطبنا الأعلى منّا بالمفردات نفسها. برائيي هذا جيد لانه جعلني اغرق اكثر في مجتمعي و هذا ترك أثرا كبيرا فييّ، فأنا مثلا رفضت الحصول على الجنسية الفرنسية لأنها تمنحني سمة متعالية و مختلفة ، فلم ارض أن أكون نشازا .لا أريد بلحظة انحصاري في الزاوية أن اشهر جواز سفري الفرنسي و أقول أنا لاعلاقة لي بهذا البلد، بل أضع نفسي في زاوية ال يك كما يقال حتى لا اترك لنفسي خط عودة. تعلمت ذلك و اكثر من هذه التجربة و لكني لست قاسيا .
*** لو كنت أنت مقدم و مذيع هذه الحلقة كيف كنت لتتصرف؟..

عمر اميرالاي : أتمنى أن يصبح هناك دقائق صمت متعارف عليها في الإذاعات، تدعو المستمع للإصغاء إلى الصمت لسبب بسيط؛ إننا مجتمعات ضوضاء و ثرثرة. لا يمكن أن نجلس في مكان عام في سوريا مثلا إلا و نجد الأغنيات تصدح بصوت تعجز أي أذن عن احتماله .اعتقد أن المطالبة بالصمت و لا اعني الصمت الدائم (لاحقين نتمتع بالصمت في القبر) و لكن لحظات الصمت تحث الإنسان على سماع نفسه و صوته الداخلي تدعوه للتأمل و برأيي هناك جعجعة مخيفة في مجتمعاتنا لا بل هناك خوف شديد من مواجهة لحظة الوحدة أو الانفراد بالذات .نادرا ما نجد إنسانا قادرا على البقاء ربع ساعة مع نفسه. إما انه يتحرش بجاره او يفتح التلفزيون …في بلادنا اذهب لقضاء سهرة ما ممكن أن أجد فيها أشخاصا لتبادل الحوار ، ماذا أجد؟ أجد التلفزيون شغال و يجوز انو ما حد عم يشوفوا لكنها محاولة لحشر الأشياء، الأصوات و الناس و بالتالي لا اعتقد أنها سمة إيجابية و لا صحية. دائما هناك الفرد المنتمي إلى العشيرة إلى الكم و بالتالي يا ريت نجد في الإذاعات بعض الصمت .مش ضروري الصمت الكامل! في علم الصوت نعلم انه لا وجود لصمت كامل هناك دائما شيء ما في الجو ،كل ما أنادي به هو دعوة الناس لسماع هذا الشيء و الذي لا يمنحنا اياه الآخرون .

***ذكرت انك رفضت الحصول على الجنسية الفرنسية بالمقابل أنت حامل لجنسيتين، لبنانية و سورية. أين أنت بينهما و كيف بإمكانك أن تكون فعلا وفيا لمدينتين بيروت و دمشق؟

عمر اميرالاي : أظن أن المدينتين توحدتا بتكوّن شخصيتي او كيان الذاكرة و العواطف و المعارف .والدتي لبنانية و والدي دمشقي . نشأت في بيروت و كبرت و عشت المراهقة في دمشق، احمل الانفتاح الذي مثلته لي بيروت و العراقة التي تمثلها دمشق. حاولت أن اخلق هذا التوازن بين المدينتين بشكل غير مدرَك بل بشكل طبيعي لذلك كانت بيروت بالنسبة لي رئة دمشق. دمشق هذه المدينة الحاملة للتاريخ هذا التراكم التاريخي هذا الغبار التاريخي لا أستطيع العيش في مدينة دون أن اتنفسه .باريس مثلا، اكرهها و اعشق روما لأنها تحمل رطوبة التاريخ و هذا ما لا أجده في بيروت. اشعر أنها مدينة حديثة، إنما هي بالوقت نفسه ابنة العصر، ابنة التلقف و التنفس اليوم .و اعتقد أن المدينين اجتمعتا عند احتياجاتي .احتياجي للمكان الذي تمثله دمشق و الهواء الذي تمثله بيروت.
*** لماذا تكره باريس ؟

عمر اميرالاي: باريس مدينة مدعية و هو ادعاء الاستعمار نفسه أراها رتيبة ومملة في أبنيتها المتشابهة .شغل المدينة على المسطرة : الشجر طوله موحد و النظافة الزائدة برأيي تخفي قذارة داخلية أما تاريخيا و جماليا و كتخطيط مدينة أجد باريس مصنّعة، ليست ابنة الفرنسيين و لا الباريسيين ،أتكلم على باريس الحديثة طبعا غير موفتار و مونت مارتر.. هنا ترين الأبنية عشوائية، عفوية و من صنع الناس .بعد الثورة الفرنسية لم تعد هي، أصبحت كما بيروت الحديثة تماما ،صنعها الاعتداد الاستعماري، هي عبارة عن نسخة مشوهة من الفن الإيطالي. أصلا في تخطيط المدن كل الساحات و التماثيل ليست عرفا فرنسيا.أراها باردة صحيح نظيفة و صاحية طوال الليل لكنتني أراها رتيبة ومملة.

*** أنت لا تبقى كثيرا في مكان واحد،كثير التنقل و يقال انك لا تلق بالا لا إلى أي ذاكرة و لا إلى أي غربة.ما مدى صحة هذا الكلام؟
عملا اميرالاي: كلام صحيح . أنا ضد كل شيء يشدني إلى الماضي و يأسرني فيه .ضده لأنني عدمي بالجوهر فكل شيء يبني الأشياء و يؤسسها و بالتالي يجعلها صرح أنا ضده.هذا يجمد الحياة و يثبتها على أشكال و الحياة هي شيء لا يثبّت . لا أنكر الماضي و لكنني مع الماضي المتحرك، مع الذاكرة التي تؤدي إلى شيء آخر و التي لا تثّبت خلال لحظة و بالتالي تتحول إلى حنين و تباكي .يقولون لك الماضي افضل !عبارة ضد منطق تطور الأشياء .الذاكرة هي متكأ حتى اعرف أين اذهب او لماذا أعيش بهذا الشكل .

***إذا عدنا بالذاكرة التي تريد لها أن تستقرئ المستقبل ماذا تقول عن طفولتك مثلا؟

عمر اميرالاي: طفولتي غير واعية! إذا سألتني أين كنت في العاشرة من العمرو من كنت تعرف؟ أقول لك لا اعرف.صراحة لا يهمني الموضوع انا مغرق بالعاطفة، ملبس بالعاطفة كما الشوكولا و لذلك صراحة اعتقد ان الذي يحرك الذاكرة هو البحث عن دلائل و مرتكزات ترمم الشخصية في حال كان فيها ثغرات، في حال كان فيها جوانب تفتقد إلى شيء ما .الإنسان مثلا يتذكر الام لانه يفتقد عاطفة هذه الام اليوم، يتذكر المنزل الذي كان يقطنه لانه يفتقد رائحة النارنج التي كانت تأتيه مع النسمة المسائية من الباب .المعيار برأيي دائما عاطفي و افتقاد لعاطفة و حنان تلك اللحظة، هنا تلعب الذاكرة دورها .لكن طبعا عندي ملامح من الماضي، مثلا كل ما لم اشبع منه و التقطه جيدا او تسرب للوعي و بالتالي لم يكتمل في الوعي يجعلني باحتياج له و بالتالي ارغب بإكماله و إكماله بالسينما على فكرة.

***من الأشياء التي لم تتسرب إلى وعيك ربما ، والدك الذي توفي و أنت في الخامسة من العمر هذا النقص بشعور الحنان الأبوي هل يجعلك تفتش عن اكتمال ما فُقد اليوم ؟

عمر اميرالاي : فقدان الأب لم يجعلني مثل الآخرين و رد الفعل هذا يختلف من إنسان إلى آخر ربما هذا يدفع البعض إلى ترميم ما افتقدوه و بالتالي يتحولون إلى آباء لإيصال ما فقدوه إلى أبنائهم.أما انا فاعتقد ان الحياة ممكن ان تعاش بدون أب و انا لم افتقد هذا الإنسان و بالتالي عندما اسمع الوالدة أو الآخرين يتكلمون عنه يقال انه كان صاحب شخصية خاصة ، شرطي إنما الشرطي الأنيق الذي يفتخر بنفسه اكثر مما يفتخر بمسدسه يفتخر بجماله اكثر من السلطة المعطاة له كشرطي، كان فائق العناية بهندامه ، بمشيته في الشارع ،بحذائه اللماع و هو برأيي كان شرطيا مثاليا يا ريت كل الشرطة هيك. انا معجب به و لكن ليس كاب بل كانسان ، كما لو أنني معجب بشخصية تاريخية، لصفاتها الحميدة مثلا . اعتقد انه ينتمي إلى جيل و عصر كنت أتمنى لو ولدت فيه و هو عصر الفرد الذي لا يشبه الآخرين، الفارس اللي لحالو(المتنسك أو المنفرد) و أصلا كان فارسا و يملك خيلا يحبه اكثر من زوجته و أولاده و أي شيء آخر. كان يصحو ليلا لمغازلة خيله. برأيي هذا الإنسان الفرد الغاوي هو فرد يعرف كيف يحب، له علاقة اخذ و رد مع الحياة هو يقوم بإغواء الحياة و ليس الأشخاص و الحياة مرآة له..ستقولين هذه أنانية و تحليل نفسي ، مش مشكلة المهم ان هذا لانسان عاش منسجما مع نفسه لا بهدف الوصول إلى التقاعد وتأمين مستقبله و مستقبل أولاده ، انه يعيش فقط.لذلك يبدو لي انه عاش و كأنه كان يعرف انه سيموت باكرا فعصر الحياة قبل ان تعصره و هذه علاقة قِوى لا نستطيع القيام بها إلا إذا كنا نحب أنفسنا و معجبون بها و لكنها علاقة متكافئة بين الإنسان و نفسه. في علاقة صحية كهذه لا يصبح للموت قيمة ، يتحول إلى شيء سخيف . أن يموت الإنسان و هو بلحظة جمال او حب، هذه أمنية كل إنسان أظن! إما يموت عجوزا مرهقا بالهموم و التجارب و الانكسارات او أمام الفراغ و الوحدة، برأيي هذه ابشع حالات الموت.

*** عدميتك هل تلعب دورا بالحديث عن والدك بهذه الطريقة؟
عمر اميرالاي :
لا شك في ذلك و لكن لا أريد أن تُفهم عدميتي و كأنني شخص" ما في شي بيعنيلي شي" ، هذا غير صحيح بالعكس أنا اعتقد أنني إنسان أصولي، اعتقد أن للحياة قوانين ليست من صنع المجتمع و لا الحياة تصنعها بشكل عشوائي. الفرد هو من يصنعها أي الإنسان .عندما أقول أنا شريف لأنني ارتاح عندما أكون شريفا ، أكون منسجما مع نفسي، لا أكون مزدوجا و لذلك أريد ان اصبح شريفا و ليس لان "بيطنطولو" بالشرف و ليس لانهم قالوا له عندما ربوه صغيرا الشرف كذا و كذا! هذا كلام فارغ .إذن هي ليست عدمية ، هي اكثر منها إيمان بضرورة امتلاك الإنسان لنفسه و بالتالي ان تكون خياراته من وحي نفسه ، إن كان ذلك بالعلاقة مع الحياة ، بالعلاقة مع النفس و القيم مع الآخرين ، أصدقاء ، نساء ، علاقات عاطفية او أهل. أنا أحاول قدر المستطاع ، علما أنها عملية صعبة لان الإنسان ممسوك بكلابتين، كلابة الواقع و الحياة و كلابة المجتمع و إلا لكان كل إنسان حر يقوم بما يريد. بس بدو يكون دايما البني آدم عم يتآمر على الحياة و المجتمع يعني لا يرضى بهما.

*** فلهذا إذن برأيك يخاف الإنسان من لعبة الهزيمة و لا تخيفه لحظة الفرح هل تخيفك الهزائم؟


عمر اميرالاي :
الفرح و الهزائم هما عبارة عن معول النحات . كل هزيمة هي ضربة في الجسم الإنساني .أو أنها تصنع له ميلان كتف جميل او يطلع بلا كتف . الهزائم هي عبارة عن طرَقات في الحياة تجمل الإنسان و لا تشوهه ا و ترديه مقطع الأوصال، مر ، متشائم و كاره للحياة و الناس .انا كل هزيمة واجهتها و كانت صادرة عن إنسان أو عن تكاليف الحياة و صدماتها جعلتني اعشق الاثنين اكثر.
*** إلى ما ترد نزعة السخرية التي تملكها و نراها كثيرا في أفلامك
عمر اميرالاي :
السخرية تلطف الألم و تجعلك تحتملين هذا الكوي..

*** في مقابلة تقول اكتشفت المرأة مؤخرا و لم تكن تعني لك شيئا في السابق ، إلى ما كنت ترمز؟
عمر اميرالاي:
…صحيح هذا الكلام ذكرته في إحدى المقابلات .صراحة الوعي كان قد اكتشف المرأة ، لكن المهم كان ان يكتشف قلب المرأة و هذا خضع لتجارب ، لرحلة مشاكسات . هذا جانب و لكنه فعلا الجانب الضئيل أمام الأشياء الحلوة التي عشتها و الذي حاولت الاستمتاع فيه بمعرفة العوالم الداخلية للنساء و هذا أيضا جانب يصب بالشيء الآخر و هو رغبتي بعدم التعميم و انا برأيي واحدة من الأشياء التي تضمر علاقة الإنسان مع العالم هو ان يبدا باستخراج استنتاجات متسرعة و تعميمات.يخوض الواحد تجربتين مع المرأة فيقول كل النسوان" متل بعض". أظن أن ذلك ليس صحيحا ان كل امرأة علمتني أمرا مختلفا ، كل امرأة طورتني و كل امرأة قربتني من الحياة ، لأنني اعتبر أن الشيئين هما واحد و لا أعتبر أن هذه التجارب بمثابة أرشيف . لا أرشيف عندي لأنني لا املك ذاكرة بالمعنى التسجيلي للكلمة كما سبق وذكرت ،التجارب هي عبارة عن تلافيف شيء يدخل في الدم ، نتنفسه و يصبح من عجنتنا العاطفية ، الوجدانية و المشاعرية. أنا لا اذكر مثلا لحظات عشتها و لكنني اعرف تماما انه ما كان بالإمكان أن أكون ما أنا عليه ، لو لم اعش تلك اللحظة و هذا هو الفرق.

*** من أحببت ،من تحب ، من ستحب ؟ أعطني أسماء!
عمر اميرالاي:
بالوقت الحاضر لاشيء مجسد لأن الحب عندي ليس خِرجا انتشل منه المشاعر ، هو تقاطع مع شيء. أنت تأتين من شارع و آخر من شارع ثان ، تلتقيان عند المفرق ؛ اسمه مفرق لان الاثنين يذهبان في خط ثالث. برأيي أنا الآن سائر في الطريق ، بانتظار أن اعرف على أي تقاطع و بمن سألتقي لاذهب في اتجاه ثالث.
لا شك نساء كثيرات أثّرن في حياتي و هناك صعوبة في ذكر الأسماء تفاديا "لخربان" البيوت إلا إذا عرضتموني للتعذيب و الفلق اعترف (ضحك) .

*** سمعنا البعض يتكلم عن كره الجمهور لأفلامك ربما لانك تحاول استفزازه !
عمر اميرالاي :
من المؤكد أن هذا غير صحيح . عندما تتحدثين عن استفزاز للجمهور فذلك يعني ان هناك موقف و علاقة ندية . ستستغربين إذا قلت لك أنني مرة واحدة فقط صنعت فيلما و أخذت الجمهور بعين الاعتبار و ليس الجمهور الذي تشيرين إليه بل جمهور آخر يريد مشاهدة هذا الفلم.ثقي تماما ان الجمهور لا يعني لي أي شيء.
*** لهذا يكره الجمهور أفلامك؟
عمر اميرالاي :
لا لانك عندما لا تأخذين بعين الاعتبار أي جمهور ، تقومين بالأشياء بكل صدق و بدون "مرهمة" أو مواربة للحقيقة .صراحة انا لا أتوجه بأفلامي إلى أي نوع كان من الجماهير. مرة واحدة نفذت فلما واحدا في فرنسا يدعى العدو الحميم و فعلا صنعته بوازع معين في فترة كان فيها هجوم و توتر إعلامي غربي و فرنسي تحديدا ضد العرب و المسلمين بسبب حوادث تفجير السيارات ، فاصبح هناك نوع من الخطل بين كل شيء مسلم و عربي و الإرهاب، حينها شعرت انه فعلا من واجبي وبسبب وازع داخلي وجداني ، جعلني أنفذ فيلما، لا يتوافق بالضرورة مع نظرتي إلى الإسلام و لا نظرتي إلى المجتمع العربي الذي يعيش في أوروبا و لكن صنعته لازيل من اذهان المتفرج الفرنسي هذا الخطل الذي كان موجودا بين ان تكون مسلما او عربيا و إرهابيا. ليس بالضرورة أن يكون كل مسلم إرهابي و كل إرهابي مسلم و ليس بالضرورة انو يكون كل عربي مسلم و هكذا… تناولتُ الجالية العربية المقيمة في فرنسا و حاولت ان أوضح أن الإسلام هو عبارة عن هوية اجتماعية ثقافية ووجدانية و ليس سلاحا سياسيا يهدد ثقافة الغرب و لا السياسة و المجتمع الفرنسيين.صنعت هذا الفلم بهدف توصيل رسالة إلى الجمهور الفرنسي ، أما بقية الأفلام فعلا صنعتها بدون أي وازع له علاقة بالجمهور.
*** إذن لمن تصنع أفلامك؟
عمر اميرالاي: للحقيقة
*** ألا تشعر أن في كلامك مغمغة و استعلاء؟
عمر اميرالاي :
عندما تغرمين بأحد، هل تغرمين به من اجل الجمهور ؟ عندما تقولين لحظة صدق و تجهرين بحقيقة ما أمام إنسان أو أمام نفسك ، تقولين إن تصرفي هذا خطا؟ أنا لست مسؤولا أمام الجمهور و هذه مشكلته ،لو كان يريد أفلامي أم لا. أنا اسمّي ذلك وفاء مع الذات و أنت برأيي تثيرين إشكالية ليست في مكانها .طبعا هناك من يصنع أفلاما و يقول لك هنا لا نريد ان نثير حساسية طائفية و لا أخلاقية ، لا نريد ان نثير حساسية سياسية و اجتماعية الخ …هذا هو بالنسبة لي المجتمع العربي النائم على ركام من الفضلات التاريخية و هو اليوم بوضع لم يسبق له مثيل من المرض و من التهالك و بالتالي أي حقيقة ستجرحه ، أي عملية تحريك مرآة أمامه، ستظهر تشوهاته و انا لا اصنع غير ذلك على فكرة ، الفلم عبارة عن مرآة للواقع .الإنسان عندما يكون عكر المزاج" فايق غلط" و فيه تشوهات معينة ، لا يحب ان يقف أمام المرآة ، بل يتجاهلها و عندما يراها يكسرها. هكذا اصف علاقة الجمهور بأفلامي بدون ادعاء.السينما أرقى من الحياة، السينما مترجم للحياة و معبر عنها و ذلك يعني انك تحاولين الارتقاء عنها و إلا تصبح مصيبة ، لأنني لست مجرد ناقل حراري .هذا الارتقاء عن الحياة في السينما يساعدني على الارتقاء بنفسي درجة ، اصبح لا أحابي حتى نفسي ، لان في ذلك مسؤولية.عندما سأفنى سياكلني الدود لكن هذا "السيللولويد" يبقى.لن أحاكَم على أمور لم يسجلها أحد علي و لكن هنا سجلت و لذلك هي مادة ستحاكمين عليها في الغد.
*** ماذا عن نزعتك بفرض الرأي كيف تصف نفسك ؟

عمر اميرالاي:
اعتقد أنني إنسان يحترم الآخر لدرجة كبيرة و أعامله على أساس انه كيان مختلف ، لا أحاول أن اخلط بين الكيانين ، لا اعتبر أبدا أن اثنين ممكن أن ينصهرا بكيان بواحد ، هذا منفي عندي من حيث المبدأ. نعم اعتقد انو عندي ميل لفرض الرأي و لكن ليس بمعنى "الحيونة " أو المكاسرة بالقوة و الإجبار ، إنما أحاول أن أدافع قدر الإمكان و لاقصى ما يمكن ، عن شيء اعتقد أنني ملكت فيه جانب من الحقيقة و الوعي . الان الدليل أنني تراجعت و استسلمت أمام حالات كثيرة ، أنني فعلا اكتشفت بعلاقتي مع الناس الذين عشت معهم كم كنت مخطئا بأشياء ، كم كنت مركبا تركيبا غلط ، هذا يعني أن هناك ميل و لكنه ليس مطلقا و لا يدفع الأشياء إلى نهاياتها. شيء آخر أنا لست لجوجا ، لا ألح على أمر إذا شعرت انه غير راكب ، أضع كل ذلك في خانة " النوسان " بين العاطل و الجيد ، عدم الإلحاح على الأشياء و التمسك بها .أتمسك بها و لكن عندما اشعر ان الآخر لا يستجيب، أتخلى عنها . هذا جانب جيد في بعض الحالات، أي عندما تحررين الآخر هذا يعني انك قمت بمساعدته على عيش حياة مختلفة و على التطور بشكل مختلف ، أما من جانب آخر ، عدم التمسك بالشيء ، يعني أنني أضعت فرصة يجوز كان الآخر فيها محتاج إلى حالة التمسك هذه او التعبير عن هذا التمسك ليبقى معك اكثر.
*** كيف تختم اللقاء؟

عمر اميرالاي :
دعيني أقول لك إن لقاءات كهذه لا تضيء الشخصية بالكامل ،لأنها عبارة عن ومضات ،بل أشّبه هذا البرنامج بالمنارة التي يدور ضوؤها في الأفق ، أحيانا يضيء شجرة و لكن لا نستطيع معرفة نوعية الشجرة باخرة ، مياه و أحيانا كثيرة يدور على فراغ ، هكذا اصف هذا النوع من التوك شو.

*** تعرف أنني عنيت بالوجه الآخر الابتعاد عن المقابلات الثقافية الجدية التقليدية التي اعتادتها الإذاعات لفترة طويلة. أحيانا نعيش مع شخص واحد اكثر من عشر سنوات و لا نتمكن من اكتشاف شخصيته بالكامل كان القصد فقط إبعادك بالحديث عن السينما و همومها و التركيز على اللقاء الإنساني إذا صح التعبير.
عمر اميرالاي:
طيب إذا هيك مشكورة.

3 commentaires:

Anonyme a dit…
Ce commentaire a été supprimé par un administrateur du blog.
Anonyme a dit…

افلتت دمعة من عيني
نفتقده الأن اكثر من اي وقت آخر

ريتا خوري a dit…

:(