vendredi 8 mars 2013

صورتنا التي صنعناها على غفلة منّا


نصّي في جريدة المدن الالكترونية
http://www.almodon.com/Media/Left-Articles/صورتنا-التي-صنعناها-على----غفلة-منا


صورتنا التي صنعناها على غفلة منا
ريتا خوريالجمعة 15/02/2013, آخر تحديث 07:28 م
1391

عمل الفنانة الأميركية ماغي تايلور

فئران نحن في عالم التواصل الاجتماعي. فئران في مختبر عالمي كبير، نخضع، على نحو شبه يومي، لاختبارات تنتج عنها استخلاصات ودراسات. 
كثيراً ما أتعثّر بدراسات وإحصاءات واختبارات ترصُد مشاعرنا وانفعالاتنا وتفاعلنا في عالم سمّي  "افتراضياً" واقتنعنا نحن بأنه كذلك.
ها هي دراسة لباحثَيْن من جامعة ألمانية، تكشف الجانب السلبي لـ"فايسبوك"، وتنقض المكتوب على سجادة الاستقبال التي فرشها الموقع عند "بابه": "يساعدك فايسبوك على التواصل والتشارك مع كل الأشخاص من حولك". هذا التواصل والتشارك، حسب الباحثَيْن٬ يؤدّي أحياناً إلى إثارة مشاعر الحسد والغيرة عند البعض، حيث أن "فايسبوك" يشكّل في الحقيقة "منصّة  للمقارنات الاجتماعية لا معادل لها". وهذا بطبيعة الحال قد يفضي إلى الشعور بالغضب والوحدة والحرمان والحسد٬ يليه اكتئاب، وحتى رغبة مكبوتة في إيذاء الصديق المسؤول عن نموّ هذه المشاعر. وللعلم، تلعب صور المستخدمين وهم مستمتعون بقضاء إجازاتهم، مثلاً، دوراً كبيراً في حكايات الإحباط هذه.
 
ثمةَ دراسة أخرى تدور حول هوس بعض المستخدمين بإحصاء عدد التهاني في عيد ميلادهم بغرض المقارنة مع "أصدقاء" لهم، ما يؤدي بهم ربّما إلى انسحابهم في وقتٍ لاحق من الموقع! هذا الهرب التدريجي من العالم، قد يستبقه آخرون بخطوات احترازية، وذلك عبر عدم الانتساب أصلاً إلى فايسبوك خوفاً من ترك انطباع سلبي عنهم في حال لم يكن في لوائحهم عددٌ مشرّف من الأصدقاء.
 
ليست هذه "التكتيكات" عابرة في عالمنا الواقعي. إنها احتياطات مدروسة، لحفظ معنويات الفرد. كل هذا أدى إلى تنفيذ دراسة هامة أيضاً، رصد الباحثون فيها تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تطور الشخصية وتفاعلها مع رفض طلب الصداقة والـ "أنْ فولّو" (عدم المتابعة) في موقع "تويتر".
 
في واقع الأمر، يبدو حرصنا على صورة الذات في فضاء الآخر الافتراضي هو الدافع الأساسي إلى تحميل تطبيقات متوافرة تُعْلمنا بعدد وأسماء متتبعينا. كما تساعدنا هذه التطبيقات على معرفة هويات أولئك الذين توقفوا عن تتبعنا. ونحن بفضل هذه البرامج نروح نحلل كيف "تصغر" صورتنا وتكبر أسئلتنا، وربما تكبر أزمتنا. إذ أن "التجاهل" على "تويتر" يمكن أن يكون أمراً لا يلحظه الآخرون إلا إذا  "نبشوا" في أصل ومستقبل التغريدة. أما "فايسبوك"، فإنه يأخذ بعداً آخر٬ بُعد المكشوف للجميع.
 
أقرأ وأدقق في الدراسات التي تجزم أن هذا العالم يولّد الحسد، وأعود لأرجع حياتنا "الفايسبوكية". أفكر أنه يحدث لنا جميعاً أن نتناسى بعض التعليقات٬ أو نتجاهلها لأننا لسنا في مزاج الردّ أو لأن التعليق لا يحتمل أخذا وردّاً، وغير ذلك من الأسباب التي تشعل تساؤلاً عند المعلّق، قد يصل إلى حد النقمة أو الغضب.
 
ويحدث أحياناً أن نترك تعليقاً "سمجاً" على حائط صديق وكأننا نكلمه وجهاً لوجه، متناسين عشرات الأصدقاء (وأحياناً المئات) على لائحته والصورة التي يحرص على تقديمها عن نفسه مهنياً وعائلياً... فلا يردّ وأحياناً يلغي تعليقنا، فننزعج أو نغضب. وهنا يخلص الباحث إلى أن البشر عادة ما يكونون أكثر تهذيباً في مواجهة بعضهم البعض واقعياً أكثر منه افتراضياً. وعلى حدّ قول أحد المغردين: "تويتر هو أكتر مكان بتتشتم فيه من غير ما تعرف السبب".
 
ويخلص بالدوين واي، الباحث في جامعة كاليفورنيا في لوس لأنجلس والمنكبّ على دراسة رد فعل الدماغ إزاء النبذ الاجتماعي، يخلص إلى أن ردّ الفعل العصبي (نيورولوجيك) تجاه الرفض الإلكتروني مشابه تماماً لرد الفعل الواقعي، رغم غياب كل معطيات حضور الآخر المحسوس٬ ما ضرب قناعته السابقة بأن المواجهة المباشرة تحتم ردّ فعل مختلفاً.
 
وها أنا أنهي يومي هذا بقراءة لأحدث الدراسات التي أشارت إلى أن أكثر من نصف مستخدمي "فايسبوك" الأميركيين أخذوا استراحات منه مدداً تراوحت بين أسبوعين وثلاثة أسابيع متذرعين بضيق الوقت أو بعدم القدرة على احتمال التعليقات الغبية أو الأصدقاء الحمقى أو حتى نتيجة المشاكل التي تسبب لهم بها فايسبوك على مستوى العلاقات العاطفية.
 
أجمع الدراسات في رأسي. أفكر بكل ما نصنعه على هذه المواقع، ما كل هذا؟ كيف شكلنا أنفسنا هنا؟ أفكر بصورنا وهوياتنا الجديدة التي راكمناها من دون انتباه وبنيناها لأنفسنا في غفلة منّا. هنا٬ حيث تسقط عن المشاعر صفة "افتراضية"، حيث عالم افتراضي يتضاعف فيه حجم كل شيء، حتى حجم الأصدقاء، وحجم البشاعات. هنا حيث عليك أن تكون مسلحاً على المستوى النفسي كي لا تصاب بآفات انتقلت بهويتها من الواقعي إلى الافتراضي٬ الافتراضي الذي ربما حان الوقت لأن نعطيه مسمّى آخر.

Aucun commentaire: