dimanche 8 avril 2018

إلى نون

صديق حدثني منذ شهرين عن صديق له.. قال إنه يأتي في نيسان، يتواجد في حديقة النباتات في باريس ويمكنني لقاءه
في "فقاعته" التي لا تدوم طويلًا.. يمكنني التحدث إليه بما شئت.. ويمكنه أن  يساعدني ويمدّني بالطاقة. قال إن اسمه
Shirotae prenus



حدست أنه ياباني.. بعد فترة اكتشفت أنه (شجرة).. حسنًا.. خدعة لطيفة ليوميَ -أيامي- ..القاتمة
حدثت صديقة عنه.. قالت إنها تعرفه... " نلتقي تحت الشجرة" قالت.. فعلًا فقاعة غلّفت "الحُجّاج""




كما في اليابان كذلك في فرنسا .. ساكورا يابانية في قلب باريس ..
 نعم أزهرت الساكورا.. ازهرارًا هشًّا لا يدوم.. سريعًا ستتطاير  بتلات الأزهار مع أدنى نسمة هواء وستغطي الأرض.. ستختفي الأزهار وتبقى الأوراق الفتية.
"ازهرار الساكورا، رمز الحياة الهشّة الزائلة، رمز السعادة الهاربة.. "

حضنت بعض الجذوع.. قبّلتُها قلت لها: أعطني طاقة.. وفكّرت بكَ طويلًا .. كيف فاتنا أن نأتيَ معًا إلى هنا؟ لكننا ها نحن -أخيرًا - أتينا.. أنتَ وأنا.. تحت الساكورا وعلى بُعد خطوات منها.. تحت أوّل شجرة أرز  لبنانية جاءت فرنسا، تحدثت عنك طويلًا.. طويلًا جدا .. بهيّ حضورك في كل هذا الغياب.
💌💔

vendredi 10 février 2017

حياة أخرى

أشياء كثيرة تغيرت منذ مروري الأخير في هذا المكان..
أشياء لا تحصى وأشياء لا تثبت على شيء.
في زمن مضى كان عندي مدونات أصبحت كتابا. في زمن مضى كنت ألعب طوال الليل والنهار لعبة اسمها "سيمز".  أسست حيوات  مختلفة وجربت حيوات لم أكن أقبل بها لنفسي في الواقع ثم مللت وانتقلت إلى ألعاب أخرى.ثم كبرت .
كبرت؟ .. ليتني أكبر 

jeudi 23 mai 2013

"أسرار صغيرة".. حياة ثانية ـ المدن

هلال شومان
الاربعاء 22/05/2013, آخر تحديث 08:07 م




تستهل الإعلامية ريتا خوري كتابها بمقدمة، هي عبارة عن نص قصير مبرِّر، كُتب خصيصًا للكتاب، بعد جمع تدوينات نشرتها الكاتبة بين العامين 2006 و2011. 

تشير المقدمة القصيرة إلى أن "أمتع الكتابات هي تلك التي تكتب باسم مستعار (..) هنا فقط تكمن الحرية"، وذلك في محاولة رد الجميل إلى مكونات الوسيط التدويني، فيعرف القارئ أن النصوص ظهرت أصلًا كتدوينات بأسماء مستعارة، ليتماهى الكتاب تلقائيًا مع عنوانه، "أسرار صغيرة"، من دون أن يدعي أكثر.

هذه الكتابات إذاً، التي أنتِجَت في ظل انعدام هوية صاحبتها، تستعيد في شكلها الحالي اسم كاتبتها الأصلي المتداول اجتماعياً خارج عالم الويب، مترافقةً مع التحرير النصّي الذي قد يبدو صارماً بالنسبة إلى من كان قد تتبع بعض المدوّنات على الويب. لكنّ هذا التحرير، للأمانة، يحاول البحث عن منطقة وسطى، تحافظ على فكرة النشر اللحظوي في المدونة، بموازاة النشر الورقي الذي يمر بمراحل أكثر تشدداً قبل ظهوره كمنتج نهائي. ومن هذا المنطلق، يحافظ الكتاب، في ثلثيه الأولين على الأقل، على تعليقات وردت في بعض التدوينات. 

لكن على الرغم من محاولة التقرّب من مناخ المدونات، حيث تدور غالبية التفاعل في قسم التعليقات، ويتسبّب بعضها في تدوينات لاحقة، لا يلتفت الكتاب إلى التعليقات. فالتعليق الوحيد الذي يرد أول النص، صار هنا مدخلًا للنص، عوضًا عن كونه تعليقًا متفاعلاً مع أخرى سبقته أو تلته.

والتحرير (النصّي/الكتابي) هنا، يستمر مع عملية انتقاء التدوينات وجمعها وترتيبها. فلا يُذكَر تاريخ نشر كل تدوينة، ولا تُعرَف المدونة التي نشرَت فيها. ولعلّ هذا مقصود، لتجنب إظهار الكتاب في شكل يوميات. الأولوية هنا إذًا لصيغة وسطى بين النشر الورقي والنشر الالكتروني اللحظوي. على الرغم من ذلك، تبدو هذه الصيغة أمينة لمحاولة ابتداع الحالة الورقية، فتبحث عن مواضيع  تتصل وتفترق، وتحاول توليفها في خط سير يستمر حتى نهاية الكتاب الورقي، مقطوعًا بلمحات من نصوص أدبية ويوميات أطول (تختلف عن الحجم المعهود للتدوينات)، إضافة إلى "ألعاب" اعتادها جمهور المدونات من نوع الإجابة عن بعض الأسئلة أو الاحتفاء بيوم عالمي ما.

تشمل الخطوط الأساسية علاقة الكاتبة بأمها، وعلاقتها بـ"نون" وبنفسها. وكل ذلك يظهر في شكل أسئلة، أو على الأقل ينطلق من الأسئلة. وهو لا يبقى ثابتًا. لعلّ هذا أحسن ما في الكتاب. فإن ظنّ قارئ بأن العلاقة بين الكاتبة والأم تكاد تنحدر إلى نقطة اللاعودة، سرعان ما يفاجأ بالتطورات الصغيرة، والأمر نفسه ينطبق على علاقة الكاتبة بـ"نون".

هذه الانقلابات الصغيرة تشبه فعلًا الأحاسيس اللحظية التي تسعى المدونات إلى جمعها، وفي هذا نجح الجمع في إعادة خلقها وتحليلها في سياقات السير المذكورة.

ورغم إنه من السهل النظر إلى هذا الكتاب باعتباره جزءاً من "أدب المدونات"، وهو مصطلح ظهر في الصحافة بعد العام 2005، إثر محاولات نشر ورقي للمدونات، إلا أنه يبدو متخلصًا من هذا التعريف المدّعي. فالكتاب نفسه في شكله هذا، والزمن الذي نُشِر فيه، يطرح إشكالية أفول عصر المدونات، وبروز التدوينات الصغيرة (تغريدات تويتر، وستاتوسات فايسبوك)، ما ييفرز السؤال: كيف سيتحول خطّ السير الجديد هذا في ما لو جمّع ورقيًا؟ وهل تبدو الانقلابات الصغيرة بمقياس المدونات أكبر وأقل لحظوية من انقلابات التدوين المصغر؟

تلك أسئلة تتجاوز كتاب "أسرار صغيرة" بالطبع. لكن الكتاب، رغم محافظته الشكلية، قد يدفع إلى وجهة أقل أمانة للوسيط الورقي، وأكثر مغامرة في حالات التدوين المصغَّر. 

يرد في نص "الحياة الثانية" من الكتاب: 
يسأل "شاندرا مان": ماذا تريدين أن تكوني في حياتك الثانية؟
أنظر عن يساري وأقول: "أريد أن أكون هذا النهر الهادر (..) أو ربما هذه الشجرة، وماذا عنك؟"


وإذ يتتابع النص، يشعر قارئ بالمفارقة فيسأل: هل يكون هذا الكتاب فعلاً بمثابة الحياة الثانية لتدوينات ريتا خوري؟ وهل من حياة ثانية لتدويناتها المصغرة بعد 2011؟
http://www.almodon.com/Media/Left-Articles/-%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%B5%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%A9--%D9%88%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A7--%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9

samedi 23 mars 2013

بدنا نولّعا


من ٢٠٠٩ ولغاية ٢٠١٢ وأنا أفرض بالقوة كل سنة في مثل هذه المناسبة نظام “ساعة من أجل الأرض” 
نطفىء الأنوار، نسحب كل فِيشَة من غمدها مساهمة منا في حركة إنقاذ الكوكب..


أول سنة كانت كارثة.. أحسسنا بالوحدة والغربة وأثقلنا الصمت فكدنا نختنق ولم تنفع الشموع التي أقنعته أنها ستضفي جوا “رومنتيكي” في أداء مهمتها.

عندما أعدنا تشغيل الأنوار بعد ساعة، بدونا كمن خرج لتوّه من تحت الماء إثر تعرضه لحالة غرق متعمد.. 


في السنوات التالية صرنا ننتظر هذا اليوم لنندس في الفراش عند الثامنة و ٢٠ دقيقة.. ونمنّن الأرض بعشر دقائق إضافية عشناها بلا كهرباء.

ثم بداية هذه السنة، أعلن باحثون أن إطفاء الأنوار وفصل فيش الكهرباء في عدد كبير من دول الأرض وإعادة وصلها في التوقيت نفسه يؤذي الأرض ولا يفيدها، فكمية الطاقة التي ستستهلك جماعيا في لحظة واحدة والتي يقتضيها وصل الكثير من الآلات ستستهلك طاقة مضاعفة وليس هذا في صالح أحد! 


في لبنان اليوم حملة تضامنية مع الأرض في مركز تجاري شهير تحمل عنوان: بدنا نطفيا.
.
وأنا أعتقد إنو لازم تولع أول لتعرفو تطفوها!
*
من وحي تقرير:
@DiAyDi



mardi 19 mars 2013

أسرار صغيرة في صحيفة الوطن السعودية

أسرار صغيرة في الوطن السعودية
بقلم سعود البلوي

أسرار "ريتا"

"أسرار صغيرة" هو تساؤلات وجودية كبيرة تولد مع الإنسان، وهنا تطرح الكاتبة سؤالا مهما: لماذا نخاف على أسرارنا الصغيرة.. فالكتابة تساعد على تخطي مشكلة الخوف الاجتماعي
في البدء كان سراً أودعته قلب صديقتها، حين قررت أن تنشره كسلسلة باسم مستعار (رات) عبر مدونة إلكترونية ما بين عامي (2006-2011)، فاقتضى الأمر- بعد زوال مرحلة الخوف من البوح - إطلاق رصاصة الرحمة على المدونة لا الصديقة، فتقرر نشر الأسرار الصغيرة في كتاب صدر عن دار (بلومزبري) القطرية، على أساس أن "أمتع الكتابات هي تلك التي تكتبها باسم مستعار، ولكلٍّ منا أسبابه.. هنا فقط تكمن الحرية".
في كتابها "أسرار صغيرة" استطاعت الكاتبة والإعلامية اللبنانية ريتا خوري أن تقول شيئاً ربما لا يجرؤ على قوله كثيرون، بلغة أدبية راقية، وبشيء من السخرية أحياناً. الكتاب ثري، وفيه الكثير من الموضوعات التي تندرج ضمنياً تحت المسكوت عنه، ولا يمكن هنا تقديم قراءة عن الكتاب كاملاً، بل جزء يسير منه، وهذا أقل ما يمكن.
في نصّ يحمل عنوان الكتاب ذاته، تختزل ريتا خوري شغفها بالكتابة بقصة اللص الذي سرق مجوهراتها من منزلها، حين ركضت مرعوبة تاركة البحث عن المجوهرات والبحث عن دفاترها (الثمينة)، وتنفست الصعداء حين وجدتها "صاغ سليم".
يمكنني القول هنا إن "أسرارا صغيرة" هو تساؤلات وجودية كبيرة تولد مع الإنسان، وربما يبوح بها لنفسه أحياناً، وهنا تطرح الكاتبة سؤالاً مهماً: لماذا نخاف على أسرارنا الصغيرة؟ مؤكدة أن الكتابة تساعد على تخطي مشكلة الخوف الاجتماعي، رغم بقاء القلق والمخاوف والأسئلة على حالها وإن ارتدت ثياباً أخرى، وتخلص إلى قناعة مفادها أن "الإنسان لا يبلغ هذه المرحلة من التعارف مع الذات إلا ببلوغه مراحل متقدمة جداً من العمر"، ثم تطرح سؤالاً وجودياً أزلياً: من أنا؟ من أكون؟ لتخلص إلى نتيجة مفادها أن أصعب الأمور هي مواجهة الإنسان لـ"ذَاته ولذَّاته"!
وفي نصّ بعنوان "جريمة" تحكي سرَّ ما اقترفته الطفولة، إذ وجدت الطفلة بيضات لأثنى طائر الحمام على نافذة، فدخلت في (مونولوج) داخلي بين النفس الخيِّرة والنفس الأمَّارة بالسوء، انتهى باقتراف الإنسان للذة القتل!
يبدو أن عقول الصغار ليست من النوع التسليمي، بل هي من النوع المتشكك والمتسائل القلق، ففي نص يحوي حواراً بين طفلة وجدتها حول الجنة والنار، برزت التساؤلات التي تنشأ في رؤوس الأطفال ليصرحوا بها دون خوف، ويليه مباشرة موضوع مشابه بعنوان "موت" تصرِّح الكاتبة بسؤال أزلي آخر، لاحقها في سن السابعة - مثلما لاحق الكثير من الأطفال - وهو: أين يذهب الناس عندما يموتون؟ وتخلص إلى النظرية المريحة نسبياً لـ(أوشو) الفيلسوف الروحي المعروف، بأن لحظة الموت تتشابه مع لحظة الولادة. وفي نصّ بعنوان "نزولاً عند رغبة حواء" تجيب الكاتبة عن السؤال (كيف تودين الموت؟) بالقول: "على فراش دافئ ونظيف، بعد سهرة لطيفة، أنام مبتسمة في ليلة لا صباح لها".
من جرَّب أن يكتب رسالة إلى شخص ميِّت؟ ريتا خوري فعلت ذلك في أسرارها الصغيرة، برسالة معنونة بـ"أبي الذي، مبدئياً، في السماوات" تلخص جزءاً من علاقة الوصاية، وربما الغيرة المدمرة، للأب على ابنته التي تقرر أخيراً الانعتاق من قيد هذه الوصاية فطارت بحريتها عالياً إلى السماوات. لكن رغم ذلك ثمة اغتراب ما في النفس البشرية، تجسده الكاتبة بسؤال في حوار ضمني بينها وبين ذاتها: من هذه الغريبة التي تسري في أجزائي كدبيب الحُمى؟ لتجيب بعد أن تمدَّ لسانها: "أنا الحياة وأنتِ الموت".
تُعتبر الكتابة حالة وجودية مهمة، ولذلك يعشق الكتَّاب المكتبات والكتب ويتعاملون معها برفق. في نصٍّ بعنوان "صانع الأحزان" تصور الكاتبة هذه العلاقة بالنظر إلى كومة الكتب المتزاحمة التي تفيض بها الرفوف، تلمسها بحنان، فتقفز الشخصيات بين صفحاتها متحررة من قيد الحروف والحبر، ولذلك صار تدوين الاسم على كل كتاب حلاً مناسباً لها ضد تصرفات أولئك الذين يسرقونها أو يستعيرونها فلا يرجعونها، ولذلك هي على قناعة بأن "سارق الكتب مجرم، وسرقة الكتاب لا تُعد حلالاً".
(نون) هو الشخص الذي حرصت الكاتبة على إهدائه كتابها، وهو الشخص الذي حرصتْ على كتابة موضوع خاص عنه، وهو- باختصار - الشخص الذي لا ينام! يمرُّ طيفه في صفحات الكتاب بين فينة وأخرى، لكنها لم تتحدث عنه كثيراً: "لماذا أخبركم بقصة "نون" على الرغم من أني مع أن يحكي كل منا قصته بنفسه أو ليصمت؟"، قدَّم (نون) نصيحة ثمينة في رسالته لها آخر الكتاب: "تعرفين لماذا خسر هتلر الحرب؟... لأنه فتح أكثر من جبهة في الوقت نفسه، وأنت تقاتلين اليوم على جبهات متعددة".
لكن تجربة ريتا خوري في "أسرار صغيرة" صنعت بطولتها الخاصة، لتكون معركة ناجحة، وإنْ تمَّت على جبهات متعددة، مجسَّدة بذلك مقولة عبدالرحمن منيف الخالدة: "الحياة وحدها بطولة".
سعود البلوي        2013-03-17 11:06 PM

mercredi 13 mars 2013

رومنسية





تنظر من النافذة صباحاً.. بساط ثلجي يحيط بشقتك الباريسية.. هدوء تام.. يعكره صوت عصفور خجول وبردان على الأرجح، بضع نقاط ماء من ثلج يذوب، تصطدم على فترات متباعدة بحديد النافذة، تحدث صوتاً أليفاً تعرفه ولا تعرفه..


 في البدء لا تغامر ولا تفتح النافذة. تؤجل الأمر إلى ما قبل حلول الظهر منتظرا ارتفاع درجة الحرارة شخطة أو شخطتين فتصبح صفراً.

تتأمل السكينة خارجاً، تتركها تنسلّ إلى داخلك، تسرح في أفكارك، تنظم شؤون يومك هذا وما سيأتي من أيام..




قبل الظهر بنصف ساعة تعود إلى النافذة إياها مبتسما، ساكناً، متفائلاً، متسلحاً بشجاعة الفاتح.. وتشرّعها على مصراعيها..

 تغمض عينيك، تستعد لتنشق دفعة الهواء النقي الأولى، كيف لا والثلج عند تساقطه يلملم كل ذرات الغبار المتراكم في الهواء.. 

ما زلت مبتسماً، مغمض العينين، حدث كل ذلك في جزء من ثانيتين أو ثلاث على الأكثر.. 

أنت الآن في قمة الاستعداد.. ثلاثة، اثنان، واحد: 
شهيق عميق، عميق، أعمق مما توقعت! تفتح رئتيك و عينيك مذعوراً.. رائحة قلية الثوم والكزبرة تجتاح المكان!

تباً لرومانسية الجارات.

اختراع


مراسم دفني


vendredi 8 mars 2013

الموت على فراش تويتر

في جريدة المدن الالكترونية


الموت على فراش "تويتر"
ريتا خوريالاثنين 25/02/2013, آخر تحديث 06:20 م
1627

 عشية عيد الحب٬ سألت العارضة "ريڤا ستينكامب" بحماس شديد متتبعيها على "تويتر"٬ عن الهدايا التي يحضرونها لأحبتهم٬ فجاءها الجواب بعد ساعات على شكل هدية دامية: أربع رصاصات اخترقت جسدها. لم تترك إيفا لجمهورها إلا تغريدتها الأخيرة تلك.
قصة العارضة، مأساة ضجت بها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كافة في الرابع عشر من شباط - فبراير تحت عنوان: العدّاء الأولمبي أوسكار بيستوريوس يقتل صديقته يوم عيد الحب.
ليست تلك "التغريدة الأخيرة" الأولى ولن تكون الأخيرة، وليس في الجملة السابقة خطأ، إذ يمكن اكتشاف صحتها بمجرد تصفح  موقع "تغريدة الآخرة"
هو الموقع الذي يقلب الفكرة السائدة، أن الميت يلفظ كلماته الأخيرة على فراش الموت أو في أحسن الأحوال٬ عبر وصيته. إذ عبر "تغريدة الآخر" نلحظ كيف يحشر العصر أنف حداثته حتى في شؤون الموت.
 
منذ أكثر من عام٬ كان مؤسِّسا موقع "تغريدة الآخرة"، مايكل ماك واترز وجيمي فورست يجمعان التغريدات الأخيرة للشخصيات المعروفة على "فراش تويتر"٬ غير أن الموقع لم يكن متاحا للجميع. وها هي تغريدة ريڤا الأخيرة تدفعهما الى فتح بابه للعامة.

  
 
أراد المؤسسان النظر بعين رقمية إلى الموت٬ مستندين في سعيهما الى تقنية الأرشفة التي لم يتفوّق فيها أحد على "فايسبوك" و"تويتر"٬ خاصة في مسألة حشد هذا الكم الهائل من المعلومات حول حياة المستخدمين الشخصية.
 وفي حديث لموقع "أنيمال نيويورك"- استعرض فورست رد فعل الناس الأولي إزاء فكرة الموقع ملخصاً وصفهم له بعبارات من نوع: خيال سقيم٬ مزعج وآسر في آن واحد.
أما شريكه ماك واترز  فلفت الى أمر يعنينا جميعاً، قائلا "العبرة التي استخلصتها من تجربة  موقع "تغريدة الآخرة" أنه من المحتمل أن يكون كل ما أقوم به "أونلاين" وحتى "أوفلاين" أحياناً، جزء من ملفي الرقمي الدائم.
ما الذي يفعله بنا هذا الموقع؟ وفي كلمات أدق، من "هو" هذا الموقع"؟ ربما التعريف الأقرب لـ "تغريدة الآخرة" هو التالي: إنه حفار القبور الرقمي

.akhra.png

ما بعد الموت
ماذا يحصل بعد تغريدات أخيرة لمغردين موتى؟ الأمر لا ينتهي عند رحيلهم. إن زرت الآن حساب "ريڤا" ستنتبه إلى أن عدد "إعادة التغريد" لتغريدتها الأخيرة تخطى الألفي مرة، بل وقام حساب آخر بتغريد صور نقل جثتها ودفنها. ولا شك أن "تويتر" سيرسل نسخة من مجموع تغريداتها العامة إلى أحد أقرب الناس إليها، غير أننا لا نملك أدنى فكرة بعد عما سيؤول إليه مصير حسابها بعد فترة. ويأتي ذلك في ظل ارتفاع الأصوات المطالبة بسنّ قوانين تعطي مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حق تقرير مصير حسابهم وما فيه بعد موتهم.
في المقابل يتيح "فايسبوك" (الذي تشير بعض الاحصاءات الى موت ثلاثة من مستخدميه في كل دقيقة) إمكانية تحويل حساب المتوفي إلى صفحة  تذكارية،  فقط بناء على طلب الأهل٬ كما يتيح تبديل وضع الفقيد في الپروفايل إلى صفة: ميت! ميت لا تُتاح زيارة صفحته إلا لمن كان أساسا على قائمة أصدقائه.

riva-2.jpeg
 
المسألة ليست بهذه السهولة حسب ما يصفها الكاتب رامي الأمين في كتابه "معشر الفسابكة. في فصل كامل بعنوان "الضريح الافتراضي تسجيل الخروج"٬ يسهب الأمين بالحديث عن "الطقوس الفايسبوكية للموت" ويشبّه الحائط  المزدان بآثار مرور الأصدقاء، ببلاطة الضريح.
مديرة أحد الأجنحة في  معرض الموت الذي استقبلته باريس في دورته الأولى منذ سنتين، أسهبت هي الأخرى في شرح مزايا اختراع بلاطة الضريح الإلكترونية لزوارها: موتى المستقبل!
وتحوي البلاطة (الشاشة) صور الميت وجملاً تعكس فكرة عما كان عليه في حياته، ما قد يجعل وجوده ـ غيابه ـ  كثيف الحضور عند زواره في مماته. إنها طريقة إضافية، ربما، لتجميل الموت.  
ماذا بعد؟ 
قد نتعثر بمواقع لبعض الشركات التي تطرح علينا سؤالاً اشكالياً حول مستقبل هوياتنا الرقمية بعد موتنا وتراها تحثنا كمستخدمين على إعادة النظر في محتوى هذه الهويات وتدعونا إلى تنظيف "سلة غسيلنا الرقمي الوسخ" قبل أن يدركنا الموت، لأن ملكية معلوماتنا التي تُخزَّن في مخادمات ما يعرف بـ "السحابة الحاسوبية"،  تنتقل بعد وفاتنا الى عملاء هذه الخدمة الذين بوسعهم التصرف بها كما يشاؤون.   
بعد هذا التهويل قد تجد نفسك يوماً بحاجة الى شركات تأمين رقمية إحدى مهماتها حماية سمعتك الافتراضية حيّاً وميتاً. 
 لكن مهلا.. إن كان البعض سيلجأ الى شركات تعنى بتحسين سمعته الرقمية في حياته، فمن ذا الذي ستقلقه سمعة شبحه الرقمي بعد رحيله؟ 

صورتنا التي صنعناها على غفلة منّا


نصّي في جريدة المدن الالكترونية
http://www.almodon.com/Media/Left-Articles/صورتنا-التي-صنعناها-على----غفلة-منا


صورتنا التي صنعناها على غفلة منا
ريتا خوريالجمعة 15/02/2013, آخر تحديث 07:28 م
1391

عمل الفنانة الأميركية ماغي تايلور

فئران نحن في عالم التواصل الاجتماعي. فئران في مختبر عالمي كبير، نخضع، على نحو شبه يومي، لاختبارات تنتج عنها استخلاصات ودراسات. 
كثيراً ما أتعثّر بدراسات وإحصاءات واختبارات ترصُد مشاعرنا وانفعالاتنا وتفاعلنا في عالم سمّي  "افتراضياً" واقتنعنا نحن بأنه كذلك.
ها هي دراسة لباحثَيْن من جامعة ألمانية، تكشف الجانب السلبي لـ"فايسبوك"، وتنقض المكتوب على سجادة الاستقبال التي فرشها الموقع عند "بابه": "يساعدك فايسبوك على التواصل والتشارك مع كل الأشخاص من حولك". هذا التواصل والتشارك، حسب الباحثَيْن٬ يؤدّي أحياناً إلى إثارة مشاعر الحسد والغيرة عند البعض، حيث أن "فايسبوك" يشكّل في الحقيقة "منصّة  للمقارنات الاجتماعية لا معادل لها". وهذا بطبيعة الحال قد يفضي إلى الشعور بالغضب والوحدة والحرمان والحسد٬ يليه اكتئاب، وحتى رغبة مكبوتة في إيذاء الصديق المسؤول عن نموّ هذه المشاعر. وللعلم، تلعب صور المستخدمين وهم مستمتعون بقضاء إجازاتهم، مثلاً، دوراً كبيراً في حكايات الإحباط هذه.
 
ثمةَ دراسة أخرى تدور حول هوس بعض المستخدمين بإحصاء عدد التهاني في عيد ميلادهم بغرض المقارنة مع "أصدقاء" لهم، ما يؤدي بهم ربّما إلى انسحابهم في وقتٍ لاحق من الموقع! هذا الهرب التدريجي من العالم، قد يستبقه آخرون بخطوات احترازية، وذلك عبر عدم الانتساب أصلاً إلى فايسبوك خوفاً من ترك انطباع سلبي عنهم في حال لم يكن في لوائحهم عددٌ مشرّف من الأصدقاء.
 
ليست هذه "التكتيكات" عابرة في عالمنا الواقعي. إنها احتياطات مدروسة، لحفظ معنويات الفرد. كل هذا أدى إلى تنفيذ دراسة هامة أيضاً، رصد الباحثون فيها تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تطور الشخصية وتفاعلها مع رفض طلب الصداقة والـ "أنْ فولّو" (عدم المتابعة) في موقع "تويتر".
 
في واقع الأمر، يبدو حرصنا على صورة الذات في فضاء الآخر الافتراضي هو الدافع الأساسي إلى تحميل تطبيقات متوافرة تُعْلمنا بعدد وأسماء متتبعينا. كما تساعدنا هذه التطبيقات على معرفة هويات أولئك الذين توقفوا عن تتبعنا. ونحن بفضل هذه البرامج نروح نحلل كيف "تصغر" صورتنا وتكبر أسئلتنا، وربما تكبر أزمتنا. إذ أن "التجاهل" على "تويتر" يمكن أن يكون أمراً لا يلحظه الآخرون إلا إذا  "نبشوا" في أصل ومستقبل التغريدة. أما "فايسبوك"، فإنه يأخذ بعداً آخر٬ بُعد المكشوف للجميع.
 
أقرأ وأدقق في الدراسات التي تجزم أن هذا العالم يولّد الحسد، وأعود لأرجع حياتنا "الفايسبوكية". أفكر أنه يحدث لنا جميعاً أن نتناسى بعض التعليقات٬ أو نتجاهلها لأننا لسنا في مزاج الردّ أو لأن التعليق لا يحتمل أخذا وردّاً، وغير ذلك من الأسباب التي تشعل تساؤلاً عند المعلّق، قد يصل إلى حد النقمة أو الغضب.
 
ويحدث أحياناً أن نترك تعليقاً "سمجاً" على حائط صديق وكأننا نكلمه وجهاً لوجه، متناسين عشرات الأصدقاء (وأحياناً المئات) على لائحته والصورة التي يحرص على تقديمها عن نفسه مهنياً وعائلياً... فلا يردّ وأحياناً يلغي تعليقنا، فننزعج أو نغضب. وهنا يخلص الباحث إلى أن البشر عادة ما يكونون أكثر تهذيباً في مواجهة بعضهم البعض واقعياً أكثر منه افتراضياً. وعلى حدّ قول أحد المغردين: "تويتر هو أكتر مكان بتتشتم فيه من غير ما تعرف السبب".
 
ويخلص بالدوين واي، الباحث في جامعة كاليفورنيا في لوس لأنجلس والمنكبّ على دراسة رد فعل الدماغ إزاء النبذ الاجتماعي، يخلص إلى أن ردّ الفعل العصبي (نيورولوجيك) تجاه الرفض الإلكتروني مشابه تماماً لرد الفعل الواقعي، رغم غياب كل معطيات حضور الآخر المحسوس٬ ما ضرب قناعته السابقة بأن المواجهة المباشرة تحتم ردّ فعل مختلفاً.
 
وها أنا أنهي يومي هذا بقراءة لأحدث الدراسات التي أشارت إلى أن أكثر من نصف مستخدمي "فايسبوك" الأميركيين أخذوا استراحات منه مدداً تراوحت بين أسبوعين وثلاثة أسابيع متذرعين بضيق الوقت أو بعدم القدرة على احتمال التعليقات الغبية أو الأصدقاء الحمقى أو حتى نتيجة المشاكل التي تسبب لهم بها فايسبوك على مستوى العلاقات العاطفية.
 
أجمع الدراسات في رأسي. أفكر بكل ما نصنعه على هذه المواقع، ما كل هذا؟ كيف شكلنا أنفسنا هنا؟ أفكر بصورنا وهوياتنا الجديدة التي راكمناها من دون انتباه وبنيناها لأنفسنا في غفلة منّا. هنا٬ حيث تسقط عن المشاعر صفة "افتراضية"، حيث عالم افتراضي يتضاعف فيه حجم كل شيء، حتى حجم الأصدقاء، وحجم البشاعات. هنا حيث عليك أن تكون مسلحاً على المستوى النفسي كي لا تصاب بآفات انتقلت بهويتها من الواقعي إلى الافتراضي٬ الافتراضي الذي ربما حان الوقت لأن نعطيه مسمّى آخر.

في أسرار صغيرة


lundi 17 décembre 2012

لحظات ٢٠١٢ السعيدة

عطفاً على التدوينة السابقة.. على نهايتها تحديداً.. هذا ما تمكنت من إحصائه.. لا بد وأن لحظات أخرى لا تقلّ فرحاً اختبأت هنا وهناك.

إنما الاستنتاج البديهي الذي توصلت إليه: إحصاء لحظات الفرح أمر يجعلنا في موود سعيد :)









mardi 11 décembre 2012

٢٠١٢





حاولت منذ عدة ايا م أن احصر تفكيري وأتذكر أين كان عام ٢٠١٢ لي ومتى كان عليّ.. فكان الأمر شاقا والذاكرة 
كسولة ترتخي وتخذلك كالعضلات تماما عندما لا نهتم بتحريكها بانتظام...

ثم دخلت أبحث عن صورة ما وانتبهت الى أن "آي فوتو" هو في هذه اللحظة بمثابة ذاكرتي.. ليس لأنه عبقري٬ بل لأنني بكل بساطة أو بلاهة لا أتوقف عن تصوير اي شيء يتحرك حولي بما فيه نسمة الهواء.
قد يكون أفضل ما في تطبيق "آي فوتو " هذا تلك الخانة التي يضع لك فيها صور السنة في صفحة واحدة تطول٬ وكل صورة فيه مؤرخة وموضبة كما الترتيب الأبجدي تماما.
يمكنني القول إني وقبل نهاية ٢٠١٢ بأيام ( اليوم يعني) أمضيت أجمل ساعتين فيه وأنا أقلب تفاصيل سنتي صورة بعد صورة٬ پيكسل بعد پيكسل٬لأكتشف أنها كانت حافلة من بدايتها وحتى نهايتها ( لمن يحب ان يطرقني عين هذه فرصته) رغم أنني ادعي عكس ذلك٬ او هذا على الأقل ما كنت اعتقده حتى لحظة تصفح صور العام.. والخاص.

يبدو لي أنني سأخرج منها مثقلة بكثير من البهجة وقليل من الأحزان .. ليس لأن أحزاني كانت اقل هذه المرة.. بل لأنني
 ومن حسن حظي صرت غالبا ما أنجح في السيطرة عليها والتحكم بها وهذا انجاز بالنسبة لكائن حي تقوم تركيبته وحياته على كل ما يحويه قاموس المشاعر من انفعالات.. أغلبها يصلح فيه توصيف: حليب النوَر.

خيبتان؟ ثلاثة.. دفعة واحدة في شهرها الأخير.. مشروع بكاء ثم لأ.. لحظة.. خذي نفساً عميقاً..أليست كلها تنتمي إلى منطق الـ
  ( ?Déjà Vu )
بلى..
عظيم .. شكراً ٢٠١٢
اللي بعدو

پي إس: ملحق صور يلحق لاحقا

mercredi 24 octobre 2012

براڤو يا شطورة


في المقهى .. ضائعة بلا هاتفي٬ يتيمة من دون إنترنت.
أضجر.. أراقب الناس.. أموت همّاً.
أفتح الكتاب الصغير.. أقرأ سطراً واحداً.. ثم نصف سطر وأضجر ثانية.
أقلّب أوراق مفكرتي الخضراء.. جميلة كلمة مفكرتي.

أتوقف في صفحة خارطة باريس. أقلب الصفحة : خارطة العالم. أمتّع نظري .
أقلب صفحة ثانية: خارطة أوروپا.. أتجول فيها قليلاً.
أكاد أسمع صوت الرسالة النصية من حيث تركت هاتفي وحيداً يتيماً في البيت على بعد عشرة كيلومترات على الأقل. ( توروروروت) لقد جننت إذاً.
حسن.. إنه هاتف السيدة التي لا أراها في الطرف الآخر من المقهى.. كلنا نصدح بالرنين نفسه.. كلنا واحد لكن هاتفي مختلف..
أشتاقه وأحن إلى شياطينه.

أقلب الصفحة.. خارطة آسيا.
 ألعب لعبتي المفضلة على جدران خرائط العالم: أغمض عينيّ٬ أرسم دوائر بسبّابتي في الهواء وأتركها تخبط عشوائياً في مساحة الخارطة .
أفتح عينيّ أجدني في الهند.. لا وألف لا. ليست الهند ضمن المخطط ولا طاقة لي على الصدمات الثقافية والحضارية الآن.
أصعد بنظري شمال شرق.. أهبط وأتوجه شرقاً.. أين هو؟ لا أراه. اسمه أكبر من حجمه٬ من حجم خارطته.. ها هي.. بالكاد لها ملامح. لا عدسة مكبّرة في الجوار.
أغمض عيوني ثانية.. أحاول استرجاع شكلها في مخيلتي أنجح وأربّت على كتفي علامة: براڤو يا شطورة. والآن سأرسمها على الورقة أمامي. أفشل. أخجل.
متى رسمتها آخر مرة؟ في صف ما في سن ما لا أذكر عنه الشيء الكثير.. شو عيب!
آخر صورة للخارطة كنت قد علقتها على زجاج غرفتي في مراهقة ما في قرية ما٬ كانت مذيلة بعبارة: أصغر من أن يقسّم أكبر من أن يُبلَع. هيك شي أو شيء من هذا القبيل.
ثم سمعتني أقول لنفسي: من الجيد أنني لم أنجب. هكذا تفاديت خطر أن يأتي ولد لي يوما ما قائلا: ماما كيف نرسم الخريطة.. ساعديني على رسم الخريطة.. فأرتبك وأقول بخجل: لقد نسيت٬ لم أعد أعرف كيف نرسمها٬ لكنني في المقابل ـ ولا أعرف ما الفائدة من ذلك ـ أحفظ كلمات النشيد الوطني عن ظهر قلب.

mercredi 9 mai 2012

mercredi 20 juillet 2011

تابوت للأحياء

كالتي تجرّب فستاناً قبل شرائه جرّبت أن أموت في ذلك التابوت. لأ مش حلوة هذه الجملة! أو ربما تكون مقبولة لكنني أحب استخدام خاصية الشطب وإلا لماذا وضعت (في ضمة على واو  وضعت لكنني لم أجدها) في هذا المكان؟ ستتعفن إن لم أستخدمها.
كان وجهي في منتهى الصفاء عندما متّ قليلا في ذلك التابوت وكان الأمر مسلياً ومضحكاً. هل يكون مسليا  عند موتي؟ أم أنه لم يكن كذلك أصلا.. بل هي بهجة بالغنا في اختراعها لنكسر رعباً أزعم أنني لست معنية به. خرجت منه عندما مرت الثمانينية وصاحت بي: قومي، قفي ماذا تفعلين عندك من المبكر شراؤه الآن٬ قبل أن تنتبه إلى طابور الناس الطويل ولافتة مكتوب عليها: "جربوني". والكل يريد أن يجرب الموت من دون أن يموت وهذه فرصة نادرة. في خلال يومين استلقى مئات الأشخاص في التابوت نفسه٬ اختلفوا في رد الفعل واتفقوا على التقاط الصور.



قد أكون زرت معارض في حياتي بعدد شعر رأسي وقد تكون هذه المرة الأولى التي أزور فيها معرضاً وأبقى فيه يوماً كاملاً
كانت حميمية ما (لم أعرفها سابقا في المعارض) تنشأ بشكل مدهش بين الزوار والعارضين، أحاديث لا تنتهي٬ تولد فجأة من سؤال بسيط فيستدعي إجابة تشبه رباطاً ملوناً يخرجه لاعب خفة من قبعته. رباط لا بداية حقيقية له ولا نهاية
أمام شجرة الأمنيات أتفرج على أمنيات الناس وقد كتبوها على قصاصات ورقية وضعت خصيصاً لذلك ثم علقوها على الشجرة. شجرة الحياة. تخايلتها ثماراً ووددت أن أجد أمنية تعجبني فأقطفها وتصبح ملكي.آكلها فتتحقق.

جال نظري قليلا على الثمار المكتوبة. احترت بين الضحك والتأفف. هذه أمنيات لا تناسبني. مثلا: "أتمنى ان أذهب في اجازة الى كينيا هذا العام" ـ ما تذهب أو عمرك ما ذهبت ـ أو "أتمنى أن ينجح حفيدي في مسابقة (ايه مسابقة) البكالوريا" أو "أتمنى أن يحبني" و"أتمنى أن أشفى نهائياً من داء المفاصل والخ الخ"
تضحكني كثيرا هذه الـ إلخ الخ 
كنت سأكتب أمنية مستحيلة لكنني خفت فعدلت. كنت سأكتب: أتمنى ألا أموت. ثم قلت لنفسي ماذا سأفعل عندما ستموتون كلكم؟ سأكون وحيدة بكل الأحوال  فلم أكتب أمنية

عندما كنت صغيرة صغيرة صغيرة اقتنعت مرّة أن تعويذة ـ لا سمح الله ـ تمنع الموت والشر عن أحبتي.. كنا دائما نربط الموت بالشر.. بعيد الشرّ بعيد الشرّ.
أرسلت صوري في التابوت إلى نون ثم نشرت واحدة على فايسبوك : "واي نات ايتز فاني" قالت زائرة بريطانية وهي تهم بنشر صورتها هي أيضاً.. قطع استرسالنا في الضحك صوت نون يزعق: "بعيد الشر بعيد الشر شيلي الصورة فوراً وحالاً عن فايسبوك."
كيف ألغي الصورة فوراً وحالاً من جهاز التلفون؟ خاطرت وكرجت متل البطة اتصل بصديقتي أعطيها "الباسوورد" فتلغي الصورة من كمبيوتر طبيعي على أن أبحث عن مسألة كيفية إلغاء الصور عبر الهاتف الذكي لاحقاً. هل يكون ذكياً حقاً؟
عموما قد تكون هذه من المرات النادرة التي أنفذ فيها أمراً دون انفعال أو تفكير. أكره الأوامر بكل أشكالها ويطيب لي دائماً أن أتجاهلها إنما هذا موضوع آخر.

متى كان المعرض؟ في نيسان \ أبريل!


 معرض الموت في دورته الأولى
وأنا منذ ذلك الوقت أؤجل تدوينة الزيارة٬ أتجاهل التسجيلات الصوتية لأحاديث التقطتها هنا وهناك.. الأنا٬ التخلي٬ انقسام الروح٬ احترام المراسم٬ انتظاره بوداعة٬ القبول٬ ومليون اختراع ليكون موتنا جميلا.. أقل قبحا. أقل قسوة.. نتكلم عن الموت لنعيش الحياة بشكل أفضل٬ تعلم كيف تتعايش مع غياب الأحبة٬ الموت يشعر بالذنب ويذهب في إجازة٬ هو الذي كان يعتقد أنه يحافظ على توازن الكرة الأرضية٬ أصيب بأزمة وجودية حادة٬ توابيت بيئية من كرتون زاهي الألوان "يا زاهي الألوان آه أسمعنا" يكفي ذلك؟


لا يزال هناك الكثير الكثير من الأشياء التي اصطدمت بها: نخب الحياة ونخب الموت ٬ العاملون في مهنة الموت... أركض بين جناح وآخر أستمع.. لم أستمع بتركيز كما فعلت في ذلك اليوم منذ دهر.. "أشعر بألم في أجدادي" وكل تلك الكتب وكل تلك الوجوه التي تتحول كل دقيقة ألى علامة تعجب بائسة٬ دفن أشلاء ضحايا الحروب ولائحة طويلة طويلة تتعبني بمجرد التفكير بنشرها كاملة.

أغادر المكان  أمحو الزيارة بعد يومين من رأسي وأقرر ضمنا أنني لا أريد التحدث في هذا الموضوع


*** 
كنت أهم بالضغط على زر نشر هذه التدوينة٬ صوت وصول رسالة إلكترونية يشتت انتباهي قليلاً.. أفتحها.. حكمة اليوم من "غودريدز"٬ أقرؤها وأنسطل قليلاً.. هل أسمي الأمر صدفة؟
Goodreads no-reply@mail.goodreads.com à moi
à 10:57 (Il y a 18 minutes)

Don't be afraid of death; be afraid of an unlived life. You don't have to live forever, you just have to live.

- Natalie Babbitt


يأتيني صوتي من داخلي: لا٬ لا مكان للصدف هنا.. انتبهي "ذا بيغ براوزر ايز واتشينغ يو"! وهيك 

dimanche 10 juillet 2011

قهوتي الباردة




نعاس مؤكد سيسلبني بعد قليل! تبعات ليل الأمس
أرق هي الحياة. حياتي٬ وحياة بعض من أعرفهم
في المكتب الرحب على الطريقة الأميركية موظفون كثر
كيف أصبحت مساحتي هكذا؟ متى تغيرت؟ أنا لم أتحرك من مكاني منذ الصباح
صارت مساحتي تشبه مطبخا أميركيا صغيرا محشورا غصبا عن رقبة صالون صغير في زاوية ما
على رفوف البار أشياء كثيرة. أنا أهلوس٬ كؤوس٬ ملاعق٫ شوَك٬ فتاحات قناني وتنكة "ريدبول"

يا سلام هذا ما احتاجه في هذه اللحظة كي لا أغفو من طولي
التنكة رقيقة للغاية تكاد تكون تنكة من كرتون٬ أمد أصابعي لأفتحها أجد الحلقة المخصصة للفتح مكسورة٬ أجد فتاحة علب٬ أفتحها بفتاحة العلب

أستعد للجرعة الآولى مباشرة من التنكة٬ أتذكر حادثة قرأت عنها في مكان ما. العثور على آثار بول فئران في تنكة مشروبات غازية. أبحث عن كأس نظيف على الرفوف أمامي. هذا فيه أثار بيبسي (لاحظ بيبسي مش كولا) وهذا فيه آثار ماء وسيجارة مطفأة. يدخنون سرا في المكتب! في مكتبي مطبخي الأميركي. لا مجلى في مكتبي لن أخاطر أكثر من ذلك بحياتي. كوب بلاستيك من ماكينة الماء القريبة آمن أكثر
يدور زميل كنت قد تجاهلت طلبه الصداقة على فايسبوك نصف دورة ويقف أمامي في مكتبي٬ يضع لوحتين كرتونيتين كبيرتين على طاولتي. أدفع الخرائط الهندسية التي كنت أعمل على رسمها جانبا وأحدق في الكرتونتين. آه إحداهما هي حائطه في الفايسبوك. يقول إنه ذاهب إلى المغرب لحضور العرض الأول لفيلمه (من شق النفس). هذا اسم الفيلم.  لن أترك له تعليقا٬ لا يهمني الأمر. يغادر مساحتي مزهوا بنفسه

في الصحيفة إلى جانبي صورة شاعر مأزوم٬ لونه أصفر٬ يلوح بيده موتا.. أتخيل للحظة أن وجهه يتشح بهذه التعابير أثناء فعلها كل صباح في الحمام. إنه يتعذب.
فظيعة هذه التفاصيل. أشرب جرعة "ريدبول" أخرى٬ أحاول إبقاء عيني مفتوحتين. كل ذلك حصل في عشر دقائق فقط
صوت حنون على مقربة: بردت قهوتك.. شو رجعتي نمتي؟
ثم صحوت

lundi 13 juin 2011

صوَر


ثلاث او اربع صور تلاحقني بإلحاح.

 عام 1990:
 الرجل بقامته الفارعة وضحكته العريضة الواثقة يدخل بيتكم ظهراً ويسألني: غدّوكِ؟ ثم نتغدى معا عدس بحامض.
عام 1993
صورة ثانية في شرفة بيتكم الجبلي، على الأرجوحة الصيفية ما غيرها، أنا ارتدي عباءته البقاعية درءاً للبرد الليلي. ناس كثر يسرحون ويمرحون على الشرفة. أنا انظر في عدسة الكاميرا وهو يناولني حبة فستق حلبي كان قد كسرها ونظفها من اجلي.
عام 1998
صورة ثالثة أنا اشتكيك عنده لأمر يزعجني، وأبكي. مش أبوك هو؟ يربت على كتفي لا يجد كلمة تسكن حيرتي فيقول: بتمرّ متل كل شي مرّ.
عام 2009
صورة رابعة: غداء عند كبابجي مع عجائزنا. كانت قد مرت عشر سنوات لم المح طيفه فيها. صدمني التدهور. بقي فارع الطول لكن المشية تثاقلت والضحكة صارت تشبه البكاء وتفتر عن أسنان غير منتظمة ربما. شاخ الرجل ولكن ليس بما فيه الكفاية فها هو يسدي نصائح طبية لعجوزتي وهي وانا نثق تماماً في ما يقول.
عام 2011
اما الصورة الأخيرة فقاتلة. في المستشفى، اقترب منه وهو على شفير الانهيار لأطبع قبلة على جبينه. يباغتني، وكجنتلمان لا يعبأ بالمرض يقبّل يدي. يومها قلت في قلبي شيئا لم اكن اعرف انني سأقوله يوماً. فهو شيء لا يقال. قلت في قلبي: على الرجل ان يرحل بسرعة، ففي ذلك راحة له ولك. لكن الرجل بقي يتمسّك  بيديه الضعيفتين  بيدي الحياة مرة ، ويتعلق بأهدابها مرة ثم يلوي عنقها مرات الى ان تعبت فهجرته.

سيأكل هذا الحزن قطعة اخرى منك. لا تقلق ما يزال هناك الكثير من الأحزان في الطريق وما زال في قلبك الكثير من القطع، حافظ عليها قدر الإمكان، فكلنا ذلك الابن.
مع كل الود

vendredi 25 avril 2008

حليب اللوز، مراكش وغواية المدن 1





غريب أمر البشر! تعيش مع شريك الحياة سنوات طوال، تظن لفرط عنجهيتك أنك تعرفه مثل جيبك، إلى أن تكتشف فجأة أنه "غابت عنك أشياء".

عندما سألني نادل المطعم في مراكش إن كنت (فشلاوية) أي أستخدم يدي اليسرى بدلا من اليمنى أجبت بالنفي، فازداد فضوله:

- لماذا تمسكين الشوكة بيدك اليمنى إذن؟

لم أعرف ما أقول، سوى أنني طول عمري أمسكها بيدي اليمنى علما أنني لست فشلاوية.

أذكر أنني عندما تعلمت مرة آداب المائدة، فوجئت بأن مكان الشوكة الأساسي هو في جهة اليسار، فصرت عندما أعد المائدة أضع الشوك في مكانها الصحيح، إلا شوكتي.

حتى الرجل الذي أعيش معه منذ دهور لم ينتبه إلى ذلك، إلا في اللحظة التي طرح فيها النادل سؤاله.

سؤال جعلني أعود بالذاكرة إلى طفولة لا يمكن وصفها بالسعيدة كونها لم تخل من بعض الأسى.. كان ابن خالي جالساً معنا إلى المائدة، وإذ بأحد أفراد العائلة يتحرك من مكانه ويربط يده اليسرى إلى الكرسي لإرغامه على تناول الطعام باليد اليمنى..(كانت هذه واحدة من أحدث وسائل التربية في ذلك الوقت).

رغم حفلة التعذيب هذه تمكن الولد من أن يصبح رجلاً، لا بل مهندس طيران "قد الدنيا". لا أعرف ما الأثر الذي تركته هذه الحادثة في نفسه، علماً أنه يحدث ونتندر بها عندما نلتقي، لكن يبدو لي الآن أنها تركت أثرا في نفسي، ولذلك ربما أحمل الشوكة في يدي اليمنى، خوفا من عقاب محتمل لن يطالني بعد الآن.


في الواقع لم تكن الشوكة هدف تدوينتي هذه، لكن يبدو لي أنني لن أبطل عادتي في الاستطراد، خصوصاً عندما أكلم نفسي، كما الآن.

كنت أود التحدث عن الإجازة التي أمضيتها في المغرب، بل كنت أريد التحدث عن هذا البلد، الذي دخلته من جديد وكأنني أذهب إليه للمرة الأولى. قد يكون تفتح وعيي هو الذي جعلني هذه المرة أنظر إلى الأشياء بمنظار مختلف عن زيارتي الأولى منذ سنوات.

هذه المرة وقع الخيار عشوائيا على مدينة مراكش، بل فلنقل بما أن خيارات الدقيقة الأخيرة للسفر كانت محدودة، كانت مراكش هي الوجهة الأنسب.

لم أكن متحمسة كثيرا للذهاب من منطلق أنني لن أتعرف إلى جديد وأن هذه الرحلة ستكون بمثابة( Deja' vu ).

لكن الأمر لم يكن كذلك.

بإمكاني ربما أن أتحدث ساعات وساعات عن هذه الرحلة التي امتدت إلى العمق المغربي وإلى مدينة الصويرة الساحلية.

لكن الانطباعات التي سجلتها في ذهني كانت شديدة الإيجابية.

أولها أن مراكش ليست من تلك المدن التي تقع في غرامها من النظرة الأولى، كما حدث لي مع رهبة اسطمبول عند وصولي إليها مع بزوغ الفجر، وشعوري بأن المدينة تزحف باتجاهي من أعلى التلال لتبتلعني.

مع مراكش، تحتاج إلى بضعة أيام لتقع في شباكها الحمراء، فهي تكشف عن نفسها بالتدريج، هي باختصار مدينة تتقن لعبة الغواية.

قد يبدو من غير المنطقي البدء بالحديث عن المطبخ المغربي، لكن وبما أنني (حقنة) بمسائل الطعام، وأتجنب اللحوم قدر الإمكان (لا دخل بمزاجي النباتي بالمسألة)، وأحمل همّ تذوق المأكولات التي لم يعتدها ذوقي، أعترف أن المدينة غلبتني وباستطاعتي تصنيف مطبخها كواحد من ألذ وأطيب المطابخ العربية التي تذوقتها، ناهيك عن أن الطعام صحي للغاية، لا تخلو وجبة من خضار على أشكالها، كما أن نكهة البهارات فيها ليست بهذه الحدة التي ترهبني وتبعدني سفَر عشرة أمتار عن الطبق.

خلاصة الحديث، استمتعنا كثيرا بالطعام على أنواعه، وسعدت باكتشافي لمشروب ساحر المذاق، تغلب بسحره على حواة الأفاعي المنتشرين في ساحة جامع الفنا الذي يتحول مساء كل يوم إلى مسرح عبثي فيه الأشكال والألوان، تعرفت إلى حليب اللوز! نعم لم أكن قد سمعت من قبل بهذا الشراب، لكنه تحول بقدرة قادر إلى مشروبي المفضل

قد يسأل مار من هنا، وما دخلنا بكل هذا، كما سبق وحدث مع تدوينات ماضية، لكنني حذفت التعليق بما أن الديمقراطية تقف عند باب مدونتي هذه، لكن لا بد من أن أشير أن هذه مدونتي، ملكي، أدون فيها ما أشاء وأحجب من أشاء، وأنشر ما أرغب في نشره إرضاء لمزاجي وتبعاً له، فمن يشعر بأن الأمر يزعجه، ما عليه سوى الإمساك بجهاز التحكم وتغيير القناة

بالمناسبة انتهت حلقة اليوم، لمزيد من المعلومات حول مراكش والأماكن الأخرى التي زرتها في المغرب، علينا انتظار الحلقة المقبلة مع الإشارة إلى أنني لست ممثلة لأي وزارة سياحة على الإطلاق

vendredi 8 février 2008

لما زعل أمين




وأنا أعرف أمين وأحترمه أشد احترام منذ عشر سنوات بالتمام والكمال .


وإذا أردت أن أصف أمين، بإمكاني القول إنه اسم على مسمى.. رجل خلوق، طيب، عادل ، جاد ومهني محترف إلى أقصى الدرجات.


عندما عملت معه أول مرّة لم أكن أفهم الكثير، بل لم أكن أفهم شيئاً في تنفيذ التقارير والتحقيقات، لكن بما أن أمين صبور وهادئ إلى أقصى حدّ، أفهمني ببساطة ودون أن يلعب دور الذي يعرف ويفهم في كل شيء، أفهمني قواعد هذا العمل بالتحديد.


ثم حدث وأن عملنا على مجموعة من التقارير التي يحلو لي أن أسميها أفلاماً وثائقية أقصر من قصيرة. نعم أفلام. لأن أمين يملك حساسية مرهفة في تعامله مع الصورة والقصة، فتتحول القصة البسيطة بين يديه، إلى تحفة فنية صغيرة، وأنا لا أبالغ ولا أمسح الجوخ وليست هذه طريقتي في الاعتذار عندما يزعل أمين.


أحتفظ حتى اليوم بأحد أعملنا المشتركة التي حملت عنوان الوقت.


ومرّ الوقت وذهب كل منّا في اتجاه، ثم عدنا والتقينا منذ عدة أشهر في تعاون مختلف، لكن التعاون مع أمين ممتع.


لم أكن أرغب مرة في أن أزعّل أمين، هو الذي يملك طريقة مبتكرة في إزالة أحزان الآخرين.


دخلت مرة المكتب في الصباح الباكر، ولم أكن على بعضي.. لم يسأل ما بي أو ما الذي يزعجني بل خرج لحظات وعاد بريشة من تلك التي نمسح بها الغبار عادة، ولكن أية ريشة. حجمها صغير، لونها زهري فاتح، مجرد النظر إليها يدعو إلى الابتسام. جاء أمين بالريشة، وبدأ ينفض بها أحزاني وكأن الأحزان تحولت إلى غبار يسهل التخلص منه. عنصر المفاجأة هذا يولد الضحك، فأنسى أحزاني ولو للحظات.


ولكنني لم أكن أعلم أن بإمكان أمين أن يزعل مني!


كنت منذ فترة قد تعاونت مع قناة الجزيرة للأطفال على إعداد مجموعة من الحلقات عن مهرجانات سيرك عالمية، جرى معظمها في فرنسا وقمنا بتغطيتها. ذاكرتي لا تحتفظ من صور السيرك إلا تلك التي كنا نشاهدها في طفولتنا على جهاز التلفزيون، فلا سيرك مع الأسف في بلادنا.


وأكثر ما كنت أحبه في السيرك، وجود المهرج. ليس لأن المهرج يضحك الناس، بل لأنني كنت أتساءل دائما عن الشخص الحقيقي الذي يختفي وراء زحمة الألوان وهذا المنظر الذي يعشقه الأولاد. كنت على يقين أن المهرج يخفي دائما في قلبه أحزانا كبيرة، لا تقوى حتى فرشاة أو ريشة أمين الزهرية على إزالتها.


وأنا لم أكن أتوقع إطلاقاً أن يزعل مني أمين.


أول ما وصلت السيرك، فتشت عن المهرج، ومن بين الأسئلة التي قمت بإعدادها، كان سؤال عن الأنف الأحمر ومعناه. أدخلني في حكاية لن أدخل في تفاصيلها الآن لضيق المكان.. وبعد ذلك طلبت منه أن يزودني بأنف أحمر وسألته عن إمكانية أن يساعدني على وضع الماكياج الخاص بالمهرجين على وجهي، وعدني خيرا، لكنه لم يفي بالوعد.


ومن سيرك إلى آخر التقيت بعدد لا بأس به من المهرجين، ورحت أستعيد النظرة السطحية التي يملكها الناس عن المهرج بشكل عام، وكلما تعرفت إلى المهرجين أكثر كلما ازداد إعجابي بهم وكلما اكتشفت أن الناس يظلمونهم بنظرتهم السطحية والمستخفة بهم.


هناك تعبير فرنسي يقول إذا أرادت أم أن تؤنب ولدها مثلا: توقف عن لعب دور المهرج! من قال إن دور المهرج عاطل؟ من نقل هذه الصورة البشعة عنه. المهرجون الذين التقينا بهم وتحدثنا إليهم، يملكون كماً من العلم والثقافة والموهبة الخاصة على إضحاك الناس. المهرج كرسام الكاريكاتور، يضخم الأشياء ويبالغ بها، ودائما هناك رسالة من وراء عرضه، رسالة تمرّ عبر الضحك أسهل الطرق.


تخطر ببالي الآن إحدى رباعيات صلاح جاهين والتي غناها سيد مكاوي، يتطرق فيها إلى المهرج والذي يسمونه بلياتشو يقول:


بلياتشو قال إيه بس فايدة فنوني


وسبع وقاق مساحيق بيلونوني


والطبل والزمامير وكتر الجعير


لو كان جنون زبوني زاد عن جنوني


عجبي


لكنني ما كنت أريد لأمين أن يزعل مني.


في سيرك مونتكارلو تمكنت أخيرا من الحصول على أنف أحمر أهدتني إياه المنتجة ريما عجيل وكنت لها ممتنة وشديدة السعادة بأنفي الأحمر الذي يضيء ويطفئ كمصباح محتار.


ثم قررت شراء عدد من الأنوف وتقديمها كتذكار من رحلة السيرك إلى أصدقائي. وحدث هذا بالفعل.


قد يجدر بي أن أفرد نصاً خاصاً أتحدث فيه عن شؤون وشجون السيرك لاحقاً.


المهم عدت من رحلة السيرك وتوجهت إلى المكتب، احتفظت بالأنف الأخير وقررت أنني سأهديه إلى أمين، لأنه يبعث على الابتسام، تماماً كفرشاته الزهرية اللون، فتكتمل مجموعته التي تمسح الأحزان.


أتممت عملي وسلمت أمين هديته وغادرت.


عدت بعد أسبوع ، أتممت عملي، وفي لحظة ما قال لي قلبي أن أمين زعلان مني رغم أن تصرفاته كانت هي هي.


في طريقنا لتناول الغداء سألته إن كان زعلان مني، وتطور الحديث لأكتشف أن هديتي، الأنف الأحمر كان سببا لزعل أمين مني.


صعقت، فقط لأنني لم أكن أملك أية خلفية، أو معنى أو نوايا سيئة خلف الهدية. شرح لي أمين أن الهدية أتت في يوم لم يكن فيه على بعضه، وأن هناك من سأله لماذا أهديه أنف مهرج؟ ففهمني غلط.


اعتذرت وغادرت وأصبت بأزمة ضمير، وقررت أن كتابة هذه الحادثة ستريحني من الشعور بالذنب.


عزيزي أمين


نسيت أن أقول لك إنني رغبت في لحظة من اللحظات وأثناء المهرجان أن أكون مهرجا، وأنه ليس بإمكان أي شخص أن يكون مهرجا حقيقيا بالمعنى الذي أعرفه أنا وليس بالمعنى السطحي المطبوع في أذهان وثقافة الناس.


مرة أخرى ومن هنا أعتذر مجددا إن كنت أسأت عن غير قصد وشكراً لأنك عدت وتقبلت الأمر برحابة صدر.


الآن يجب أن أفكر جيدا وأن لا أتصرف بعفوية، إذا أردت أن أقدم لك تذكارا آخر في مناسبة أخرى.


نسيت أن أقول لك أيضاً أنني تعلمت منك الكثير على المستوى المهني، وأحترم وأثق بكل كلمة ونصيحة تسديها لي مهنياً.. وأنتظر بفارغ الصبر أن تتخطى مرحلة العمل التلفزيوني وتنتقل إلى مكانك التالي، في الإخراج السينمائي.


أقول ذلك لأنني أصدق المثل القائل: فرخ البط عوام، لا أعرف ما هو المعادل الجزائري لهذا المتل، ربما الولد سر أبيه بتنفع.


سلام لوالدك المخرج الجزائري أحمد راشدي واستر ما شفت مني.


محبتي.




lundi 15 octobre 2007

حوارات إذاعية: محمود درويش


كانت مقابلتي الإذاعية الأولى! قبل أيام من التسجيل، أشهد حديثا هاتفيا بين مسؤول في الإذاعة وكنت في حضرة الشاعر لوضع اللمسات الأخيرة على إعداد الحلقة. الشاعر يسأل المسؤول ممازحاً:

وهل في هذه الفتاة ما يكفي من غباء فترسلونها لإجراء حديث إذاعي؟


حوار أستعيده هنا، ذكرى لخطوات أولى متعثرة قليلاً على طريق الاحتراف.


محمود درويش 8-11-91



ـ ميكروفون إذاعة الشرق من باريس شديد الفضول لمعرفة أسباب هروبك من الصحافيين ؟
محمود درويش:
شكرا على هذه الكلمات التي لا استحقها، مع أنني أوافق على أنني وقعت في أسركم أخيرا و هذا وقوع محبب، قد أكون متواطئا فيه أيضا.
سبب الهروب من الإخوة و الزملاء الصحافيين، هو أنهم أكثر مما يتحمل وقت أي إنسان و أنّ الصحافيين لا يرحمون و يعتصرون المادة التي يتعاملون معها و البشر الذين يتعاملون معهم باعتبارهم مادة استهلاكية و كل هذا ليس صحيحا و لكن الصحيح هو أنني أخاف من الاستجواب، أخاف من الجلوس على مقاعد الاعتراف، لهذا ادّعي أنني مشغول و اهرب من الصحافيين خوفا من الأسئلة المحرجة و أرجو أن أتمكن هذه المرة أيضا، رغم وقوعي رهينة بين أيديكم ، أتمنى أن أنجو من فخ الأسئلة الصعبة و أرجو أن تكوني رحيمة بي ، حتى لا أواصل هذا الهروب.


ـ حاضر الشاعر من ماضيه كيف يرى محمود درويش ولادة و طفولة و دراسة الأمس في قدر الحاضر و نضال المستقبل ؟

محمود درويش:
عندما ننظر إلى الوراء ننظر عبر كثافة الزمن إلى المكوّنات الأولى، لا لكي نتدرب على كيفية الصمود أمام الحنين الإنساني نحو الماضي، بل لكي نزيد ولاءنا و ارتباطنا بمكوّنات تكويننا الأول. الماضي كله بالنسبة لي عبارة عن مكان ولادة .
ولادة شخصية وولادة شعرية وولادة وطنية و إنسانية، كل ما أحاول أن أفعله في نشاطي و في كتاباتي الشعرية و في كتاباتي الأخرى هو أن أكون جديرا بهذه الولادة. لقد ولدت في ارض مقدسة، ارض السيد المسيح و ارض سائر الأنبياء و ارض ملتقى الحضارات و الثقافات و كل العصور ، فأنا حريص على أن أكون مواطنا جديرا بهذه المعاني التي تحملها بلادي و حريص على أن أطوّر إنسانيتي و فنية تعبيري عن هذه الإنسانية لكي أكون ابنا بارا لهذا الوطن و لهذه المعاني. أنا انظر إلى الوراء، إلى الولادة و إلى الماضي، من هذا المنظور الثقافي و الإنساني.

ـ قلت يوما انه لا يزال في وسع الكلمات أن تحمل صاحبها و أن تعيد حاملها المحمول عليها إلى داره ، في سياق رسائل تبادلتها مع سميح القاسم . هل الكلمة اليوم لا تزال قادرة فعلا على تحقيق حلم الرجوع إلى الوطن و استرجاع الأرض، أم انه غرق في شاعرية لن تبصر النور بهذه السهولة؟

محمود درويش:
نعم من أحد طموحات الكتابة هي أن تصوغ واقعا بديلا ،أو واقعا محلوماً به إذا جاز التعبير، للواقع الذي نعيشه . أحيانا ننشئ أوطانا في الكلمات، ننشئ أزمنة و فصولا في الكلمات و قد قلت هذه العبارة في سياق تعبيري عن نوبة الحنين الجارف إلى ماضيّ الأول، إلى مكاني الأول و كنت اعبر عن هذا النزيف الحنيني، من خلال الكلمة . كان دافعي الأول من خلال هذه الكتابة، هو أن أعود ، أن اكسر جسر الرحيل المضاد، و أبني جسرا للعودة وكنت اعتذر عما بدا لي انه خطأ و هو أنني لست هناك . و بعد أن كتبت كل هذا الحنين في رسائل، اكتشفت أنني قد عدت و اكتشفت أن سميح القاسم، قد هاجر في الاتجاه المعاكس. إذن في وسع الكلمات فعلا أن تنقلنا إلى حيث نريد أو إلى حيث هي تريد. للكلمات أحيانا سطوة أكثر من سطوة وعينا عليها ، لها منطقها الخاص و لها ديناميكية خاصة، قد تسيرنا في اتجاه قد نريده و قد لا نريده .

ـ  تتحدث عن خطأ ارتكبتَه ، انك لست هناك، و تكره تعبير الداخل و الخارج لكن دعني أتحايل على التعبير و لنتحدث عن أدب المنفى و أدب تحت الاحتلال أي عناوين تحدد الفرق برأيك؟
محمود درويش:

لستِ مطالبة بان تترددي في طرح الأسئلة الصعبة ، ما دام أنني وقعت في شرك القول أنني ارتكبت خطأ. فعلا أنا على استعداد لان أطور شرح هذه المسألة.صحيح أنا لا أحب الوقوف أمام مصطلحَي الداخل و الخارج باستخدام تناقضي ، ليس هناك فهم متناقض لطرفي المعادلة و لكن أنا مقتنع أنني أفضل ، لو أُتيح لي أن اختار ظروفي . أنا عاجز عن ذلك، لأنني ابن ظروفي ، لكن لو قدر لي أن أكون أكثر حرية في اختيار ما اخترت، لاخترت أن أبقى هناك. انطلاقا من هذه النقطة إن وجودي في أي هنا خارج هناك هو وجود طارئ ، وجود خاطئ ، و عندي قدرة على النقد الذاتي و القول انه كان عليّ أن ابذل جهودا اكبر من اجل أن أبقى هناك، كي لا احمل هذا التوتر الشخصي بين الداخل و الخارج فيّ أنا و ليس في الواقع نفسه . فأنا صحيح في الخارج و لكنني ما زلت اشعر و أتصرف كأنني في الداخل ، إنّ توتر الداخل و الخارج هو في تكويني و ليس في واقع العلاقة بين الداخل و الخارج .

ـ  تتكلم عن تقصير منك و بك و فيك و عن قدرة على انتقاد الذات لكن محاسبة الذات تختلف عن نقدها ألا تعتقد ذلك؟
محمود درويش:
أنا دائما أحاسب نفسي كل ليلة قبل أن أنام، أراجع سلوكي و كلامي و نشاطي طيلة نهاري ، و أقول دائما ،كان في وسعي أن افعل هذا لا أن افعل ذلك و خاصة أن هذا الإحساس يزداد عندي ، كلما ازداد إحساسي بان هناك شيء يهرب من يدي و هو الوقت .هو الإحساس بالزمن فعلا، يجعلني أكثر حرصا على محاسبة الذات لاختبار جدوى الحياة التي أنفقها .هل أنفقتها بالاتجاه الصحيح ؟و طبعا أحد المحكات الأساسية في هذه العملية هو ما يفيد كتابتي. دائما ألخّص ، هل كان نهاري مفيدا لكتابتي؟ هل كانت قراءتي كافية؟ هل كانت محاولتي للكتابة كافية ؟هل كان هذا الحوار أو ذاك مفيدا شعريا أم لا ، لأنني أصبحت في زمن أحاكم فيه الأمور كلها محاكمة شعرية و أرجو أن أتمكن من الاحتفاظ رغم كل أعمالي غير الشعرية، بهذه المسافة التي تنقذني كشاعر و أيضا تنقذ حاجة شعبي لي كشاعر.
لكن هذا لا يمنع أنني املك دائما إحساسا بالتقصير كان بوسعي أن اكتب أفضل أن اكتب أكثر أن ابذل جهدا أفضل في تطوير أدواتي و تطوير تعبيري عن ذاتي الشخصية التي ليست ذاتا شخصية تماما و لكن فيها تقاطع حاد و عضوي بين الذات العامة أو مع الذاكرة العامة لذلك لا أخشى الاعتراف…

ـ محمود درويش المحروم من متعة التخطيط لست ساعات مقبلة، مخطوف دائما كما تقول إلى لا مكان. هل هي نتائج الانسلاخ عن التراب أم هناك سر آخر لهذا اللااستقرار الدائم.

محمود درويش:
اللا استقرار هو أحد أسماء مأساتنا الشخصية و الوطنية ، المكان هو جوهر كل العمل و الكتابة و النشاط الفلسطيني .إذا أردنا أن نلخّص موضوعنا، موضوع جدوانا ، موضوع روحنا، فهو المكان المفقود ، المكان الذي سرق منا و العمر الذي سرق منا أيضا في بحثنا عن هذا المكان عن هذه الهوية .التعويض عن المكان يتم ببناء مكان من الكلمات و هذا هو أحد مهام القصيدة .القصيدة تبني مكانا أو وطنا أو شارعا أو خريفا أو ربيعا. و لكن هذا الوهم الجميل ينشط فينا الحافز على أن نكون و ينشط فينا وعي الإدراك بجدوى حياتنا و نعطي مبررا لهذه الورطة التي اسمها الحياة التي لم نقررها . وجدنا أنفسنا مولودين دون إرادة منا و لكن علينا أن نبرر هذه الولادة و هذه الحياة .عدم الاستقرار هو أحد سماتي و سمات أبناء شعبي، إضافة إلى طبيعة عملي، أنا لا املك مكانا لي ، أسافر ، و عندما اشعر أنني سأعود ، و عدت إلى البيت ،افتح الباب بالمفتاح ، لا اشعر أنني عدت. و أسال لماذا عدت هذا ليس مكاني و ليس هناك شيء أعود إليه. إذن لا عودة لي إلا العودة الحقيقية ، أي مكان اذهب إليه، أي مكان اشتاق إليه، هو شوق وهمي و مؤقت و طارئ لان مصطلح العودة بمعنى أنني عائد إلى بيتي، غير وارد في قاموسي و لا في موسوعتي الإنسانية و الأدبية، فأنا لا أعود إلا إذا عدت إلى بيتي الأول ، هناك تتاح لي إمكانية أن اختار منفاي بحرية و لا يصبح ساعتها المنفى عقدة ، لكنني الآن محروم من أن اختار منفاي. لو كان لي وطن أنا حر في العودة إليه و حر في أن أغادره، يصبح المنفى اختيارا إما شخصيا وإما اختيارا ثقافيا ، لكن أنا محروم أيضا من اختيار منفاي لأن من لا وطن له لا منفى حر له.

ـ هل افهم أن الإقامة المؤقتة في الكلمات هي إقامة مريحة و بالتالي ما هو تعريفك لمفهوم الوطن؟

محمود درويش:
أولا أريد أن أصحح انطباعا ليس دقيقا. ليس صحيحا أن الإقامة في الكلمات هي إقامة مريحة ، لان هناك توتر دائم لأنْ أغير هذه الكلمات¸ لبناء كلمات أخرى. إذا تحولت الكلمات إلى إقامة، تصاب بالجمود و الجفاف و مشكلة الشاعر انه لا يرضى أبدا عن أي بناء بالكلمات انشأ ه و أقام فيه ، فهو مضطر دائما أن يدمر ما بُني ليبني من جديد و بالتالي تصبح الإقامة غير مريحة.
بالنسبة للوطن هو المكان الذي ولدت فيه و الذي أريد أن أموت فيه و الذي أتمنى أن أعيش فيه أو أن تتاح لي ظروف العيش الطبيعي الإنساني فيه ، بدون تمجيد الرموز و بدون تحويل كل شيء فيه إلى رمز أو أسطورة. لقد أُتخمنا بالأساطير و الرموز ، أرهقت كاهلنا هذه العملية الدائمة، لتحويل كل شيء إلى رمز: لا بد للوردة أن تكون جرحا و لا بد لأي شيء أن يكون شيئا آخر نقيضا له. هذا تحويل الواقع إلى أسطورة و هو مهنتي الشعرية و لكنه ليس الشرط الإنساني الحقيقي لكي نعيش في وطن حقيقي، فالوطن بالنسبة لي هو ذلك الأليف، الطبيعي ،البسيط ،الخالي من الترميز و الاسطرة. كلما كان الوطن ابسط ،كلما كان وطنا حقيقيا. أتمنى أن أحقق وطني البسيط حتى و لو كان خاليا من الأساطير و الخرافات و الإبداعات الشعرية.

ـ كل هذه الغزارة في الكتابة و تعلن انك لم تحترفها بعد ، إذا كان ذلك صحيحا فمن أنت؟

محمود درويش:
أنا دائم الشكوى من أنني لم أحقق شروط التفرغ الأدبي. يؤلمني أن اشعر بين الحين و الآخر بأنني ما زلت هاويا أي اعبر عن رغبة في أن لا اعمل أي شيء آخر إلا أن اكتب شعرا أو غير الشعر و هذا تعبير عن رغبة كامنة و علنية في أنني لا أريد أن اعمل فيما هو خارج الشعر ومن هنا لا اعتبر نفسي شاعرا محترفا لأنني اسرق وقتا للشعر من نفسي ، من الآخرين لكي اكتب في الشعر، و الشعر عملية معقدة تحتاج إلى مزيد من التفرغ و مزيد من الوقت، فأنا بهذا المعنى شاعر يسعى إلى التهام الحياة كلها شعريا



ـ إذن الشعر و الحياة متلازمان برأيك.
محمود درويش:
لا شك في ذلك و أي تجريد للشعر من الحياة هو موت للشعر. أحد مرجعياتي الشعرية الأساسية التي اعتمد عليها هو الواقع و الحياة وليس فقط المصدر الثقافي أو المعرفي. لا شك انه أحد المراجع الأساسية لكن كل هذا إذا كان بعيدا عن الأخذ و الاستلهام من الواقع المعاش ، يتحول الشعر إلى عملية كيميائية ذهنية .أنا شديد التمسك بأحد ينابيعي الشعرية الأساسية أي العلاقة بالواقع. تسالين من أنا؟ أنا كنت مواطنا ، الآن أحاول أن أكون مواطنا من جديد و المواطن لا يكون مواطنا إلا في وطنه و أكرس كل حياتي من اجل أن أكون مواطنا في وطني و في هذه الرحلة اعّبر عن كل هذا الشبق و الحنين إلى الحياة الإنسانية البسيطة في وطن.اعبر عن ذلك في كتابتي طبعا دون أن أضيق مدى هذا التعامل في المباشرة و التبسيط في هذا السياق الكبير، ألتقي بالأسئلة الإنسانية و الفكرية و الفلسفية و الأسئلة التي وردت في أوصافك و التي لا حصر لها.

ـ مع فرضية استرجاع الأرض و الوطن هل يبقى مكان للشعر السياسي؟

محمود درويش:
أنا لا أرى أن هناك مجال للشعر السياسي لا في الوطن و لا في المنفى أنا ضد الشعر السياسي و لست من أنصاره و إن كنت قد كتبت في مراحل حياتي كثير من الشعر السياسي و لكن لا اعتبر أن جوهر كتاباتي هو شعر سياسي كما قد يبدو للقارئ المستعجل .شعري يتعامل مع قضايا الإنسان و الوجود و لكن ليس بالمفهوم السياسي البسيط أو الصراع السياسي المباشر لذلك لا اعتبر نفسي شاعرا سياسيا و لا أحب الشعر السياسي. أنا اعبر عن مواقفي السياسية بمقالاتي و ليس في شعري .

  ـ هل هذا يعني أن هناك هوة تفصل بين مواقفك السياسية و بين شعرك؟

محمود درويش: لا إطلاقا و لكن اعتبر أن للسياسة لغة تعبير و مجال تعبير آخر غير الشعر الذي قد يتسع لكل شيء بما فيه المستوى السياسي، لكن أن لا نراعي الطبيعة الخاصة للعمل الشعري و الطبيعة الخاصة للتعبير السياسي فهنا نقع في ورطة تسييس الشعر إلى حد يفقد فيه طبيعته .أنا ارفض الشعر السياسي و لا أحب أن اقرأه أصلا.

ـ لا تحب الليل لا تكتب الشعر في الليل و لا تطمئن لليل علما انه رفيق الشعراء عامة ما سبب هذا النفور من هدوئه و سكونه؟

محمود درويش:
أنا أحب السكون و الهدوء و لكنني لا اربط الهدوء بالسواد. قد نجد الهدوء في النهار و فعلا عندما أسال نفسي لماذا كل هذا النفور من العمل في الليل و عندما استعيد عاداتي الكتابية و خاصة الشعر، ألاحظ أن معظم ما اكتبه أو ما كتبته كتب أثناء الصباح أو أثناء ساعات النهار، أما في الليل فلا أستطيع أن اقترب بتاتا من الورق ، ربما اشعر بغياب الأمان الكافي لان اسهر دون أن أصاب بسوء، قد يكون خوفي من أن افقد الصباح القادم بسبب السهر الطويل. و لكنني أعيش في الليل و اقرأ في الليل و أقابل أصدقائي في الليل ، أما الكتابة فلا اعرف لماذا أخاف .أخاف من الدخول في مبارزة مع الليل و قد كتبت قصيدة صغيرة عني و الليل ،كل ذاهب إلى مكان، لكن الليل سيعود و أنا لست متأكدا من أنني سأعود .أو قد يكون لذلك مماحكة مع العرف العام، أن الشعر هو ابن الليل و هو رفيق الليل، هذه طبعا كانت أوصاف تقدم إلى الشعر الرومانسي العربي ،ربطوا الشعر بالليل لأنه أكثر هدوءا والقمر أكثر إلهاما ،ربما أنا احتاج إلى محلل نفسي لكي يشرح لي لماذا أخاف فأنا لا اذكر منذ أكثر من 30 عاما أنني كتبت كلمة واحدة في الليل، لكن ليلا تأتيني أفكار كثيرة و بقرب سريري يوجد دائما دفتر ملاحظات ، أحيانا اسرق حلما ،أسجل أطراف حلم ، أحيانا اكتب مقاطع كاملة و أنا نائم و اعتقد أنها عظيمة الشأن و عندما أصحو و اقرأها اكتشف مدى سخافتها ، فانسب ذلك أيضا إلى الليل و رغم كل هذا الشرح تأكدي أنني غير مقتنع بشرحي لا أجد جوابا لهذا السؤال الصعب.

ـ لا يخفى على المتابع لشعرك انه شعر خاص و ليس عام. الأم مثلا ليست كما كل الأمهات. بمعنى آخر أن كل قصيدة مرتبطة بزمان و مكان و بيئة. خصوصية أدب درويش.. لأي طبقة من الناس تتوجه لأي مجتمع و هل أنت من يعمد إلى عدم توجيه هذه القصائد لكل الناس؟
محمود درويش:
أشكرك على هذا السؤال لأنه يتيح لي فرصة أن أوضح كثيرا من المسائل الملتبسة المتعلقة بهذا الموضوع . علي أن اعترف بكل صراحة أنني عندما اكتب لا اكتب إلا لنفسي، عندما اجلس إلى الكتابة أكون محبوسا في أفق عملي و من داخل هذه الزنزانة المكانية التي اكتب بها، أستطيع أن أتجول في كثير من العصور و كثير من الثقافات و أتحادث مع كثير من البشر مع كثير من التفاصيل الإنسانية العادية الصغيرة .في هذه المحاولة أكون في ورشة إعادة بناء نفسي، إعادة تجميع أعضاء روحي و لا يعنيني في تلك اللحظة التفكير بأي اعتبار آخر، أي أنني لا أستطيع أن أرى القارئ، يهمني أن أعيد إنتاج نفسي، أن ألد نفسي بنفسي ،لا أن أواصل ارث ولادة حدثت لي دون علم مني و دون رأي لي، أي أنني أبدع نفسي من جديد بطريقة خاصة و ابدي علاقتي بالأشياء و علاقة الأشياء بي بطريقتي الخاصة .لا شك أن لكل شاعر طريقة خاصة في التعبير و الرؤيا و لغة خاصة أيضا ، فكل شاعر بهذا المعنى هو شاعر خاص .إن قصيدة الشاعر التي تشبه أخرى للشاعر نفسه هي قصيدة ميتة . يجب ألا يكرر الشاعر نفسه يجب ألا ينتج قصائد متشابهة أي دائما يتطور أو يتغير و لكن في حدود فضاء أبوة شعرية له على هذه القصائد .و القارئ أثناء الكتابة يتحول إلى شيء من الرقيب لذلك لا أرى القارئ و لا أفكر بأحد ولا اكتب لأي قضية و لا لأي إنسان. أما عندما ينتج و يخرج هذا العمل من يدي يصبح ملكية جمالية عامة و يصبح من حقنا أن نسأل هذا السؤال الذي طرحتِه بكل وضوح لمن اكتب .طبعا خارج عملية الكتابة أستطيع أن أجيب على السؤال أما عندما اكتب فالإجابة على السؤال مستحيلة .
أنا اكتب لمن يقرا الشعر اكتب لنفسي أولا. عندما تخرج مني قصيدتي تصبح ملك من يقرا الشعر ، من هنا فأنا لا أريد أن أحاكم مفهوم جمهور الشعر فهو ليس مكتوبا لكل الناس لان ليس كل الناس يقراؤن الشعر ، فالمسالة يتم ضبطها في إطار جمهور الشعر، و هذا الجمهور ليس نمطيا و ليس موحدا و ليس ذا ثقافة و طبيعة مشتركة واحدة .صحيح شعري ليس مكتوبا إلا لهؤلاء الناس و هنا يقع الاختلاف في هذا الإطار و ليس في إطار كل الناس لان ليس هناك مجتمع في العالم كله منكب على قراءة الشعر فالشعر يعني خاصة من الناس. هناك شكوى أن شعري صعب و معقد و هذا صحيح لان وعيي الشعري الآن ،مستوى معارفي و ثقافتي و مستوى حساسيتي الإنسانية و فهمي للواقع و التاريخ متطور عن فهمي عندما كان عمري 20 عاما عندما كنت اكتب قصائد حينها كان عمري الثقافي من عمر قارئي الذي كان من ذلك الجيل .
  ـ ولكن هل لنا أن ننكر ما كان للقصيدة من تأثير على المقاومة الثورة و الانتفاضة؟
محمود درويش:
أنا اعتز بان الكثير من قصائدي تحول إلى أغاني عامة ،ليس بمعنى الغناء الموسيقي بل بمعنى أن يحفظها الناس عن ظهر قلب و بعضها نراه مكتوبا على الجدران في الأراضي المحتلة كشعارات ، هذا أيضا يزيدني إيمانا بطاقة الشاعر و جدواه ولكن عند مرحلة معينة سيضيق عدد الذين كانوا في عمري الثقافي و الشعري .أنا إنسان شبه متفرغ لهذه العملية بينما الذين يقراؤن الشعر ليسوا متفرغين لهذه العملية و كلما ازدادت القصيدة التصاقا بتعقيدات العصر و بالتعقيدات الثقافية و الحداثة ،كلما أصبحت بناء أكثر صعوبة ، أكثر تركيبا و لكن هل خف عدد قرائي أم لا أنا لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال ، لان توزيع كتبي ما زال في اتساع ، إذن أنا اكسب قارئا جديدا من نوع آخر و لكن ليس طلاب المدارس الابتدائية يستطيعون أن يقراؤا شعري .الآن أصبح لوعي شعري آخر لحساسية شعرية أخرى و لكن هو يتطور في سياق كل سُلّبي الشعر، هو جزء من هذه العائلة الشعرية ، لكن له ملامح متميزة و مختلفة .في كل مرحلة من مراحل شعري يتم التعاطي معه من فئة جديدة و مختلفة عن الفئة الأخرى و بالتالي أنا أتمنى أن اكتب لكل الناس أتمنى أن يتحول الشعر إلى قوة و رواج الرواية و لكن هذا ليس طبيعيا .هذا السؤال ليس عربيا فقط ، في العالم كله الشعر مكتوب لفئة من الناس .هو مكتوب للجميع يجب أن نميز: الشعر مكتوب للجميع و لكن الذين يقراؤنه هم أقلية و هذه الأقلية تتفاوت مستوياتها و حساسيتها و إدراكها و أحيانا تجدين أن هناك توافقا حول قصيدة معينة بين ناقد كبير و عامل بسيط.

ـ تتكلم عن وعي آخر ما الذي يميز وعي اليوم عن وعي الأمس؟
محمود درويش:
إن الذي لا يتطور ، يتجمد. و لا شك أن تطورنا الراهن يؤثر على فهمنا للماضي، إننا نقرا ماضينا دائما و ماضي البشر بطريقة مرتبطة بمستوى تطورنا الراهن ،أي أن التاريخ هو دائما ، دائم القراءة الجديدة. ففهمنا للماضي الآن ليس كفهمنا له بالأمس و ليس كفهمنا له غدا ، أي أن هذه العلاقة تتطور دائما بتطور الحياة نفسها من هنا لا شيء خالد بوجوده و لا بوعينا لوجوده وطبعا هذا الوعي يؤثر على عملية اللاوعي التي تنتج الشعر.واللاوعي يؤثر على الوعي هناك عملية ديالكتكية بينهما و المسالة دائما في تصاعد ، المهم أن نعرف كيف تتطور ، المهم قبل ذلك أن نتطور ،المهم أن نقبل أن الوصول إلى شكل شعري نهائي هو جمود و ما كان حديثا يصبح سلفيا ماضيا المهم أن نعي أن قانون الوجود الأساسي هو التطور و لكن علينا أن نعرف أيضا كيف نتطور و فهمي للتطور الشعري و لشعرنا العربي ، هو انه علينا أن نتطور ضمن سياق تاريخنا الأدبي في علاقته مع التاريخ الآخر و اعني التاريخ الأدبي العالمي لا أن نكسر كل تاريخنا و نشوه فهمنا بتبني نمط أدبي مختلف.

ـ هل بإمكاننا التكلم عن احتلال ثقافي في فلسطين و هل يشكل خطرا على احتواء و تغيير الهوية الفلسطينية ؟

محمود درويش:
من المفيد أن انبّه كثير من الناس إلى مسألة أنّ الإسرائيليين استطاعوا أن يسرقوا أرضنا و أعمارنا و حرية أن نتكلم عن نفسنا بلغتنا ، أن نروي قصتنا كما نريدها. استطاعوا أن يسرقوا هذه الإمكانيات و لكنهم لم يتمكنوا من سرقة ثقافتنا أو تدمير الروح الثقافية للفلسطينيين و لا هويتهم الوطنية ، خاصة و أن ما يشاع عن الغزو الثقافي الإسرائيلي و قوته وقدرته على النجاح هي غير دقيقة.طبعا هناك مشروع صهيوني ثقافي و لكنه محكوم بحدود تجعله هو، أسير مشروع .أي أن الإسرائيلي هو من يجد نفسه مغزوا ثقافيا لأنه حصر نفسه في غيتو ثقافي.صحيح أن الإسرائيليين نجحوا بإنجاز كبير جدا هو إحياء لغة ميتة ، اللغة العبرية ،التي لم يتم استعمالها منذ آلاف السنين و أنا دائما أماحك عندما أقوم بالمناظرات مع الفكر الإسرائيلي، اسألهم ماذا يعني ذلك ؟لقد استبدلتم لغاتكم الحية بلغة ميتة لا يتكلمها غيركم ، أي أنكم أحسنتم بناء غيتو ثقافي و لغوي و أفقدتم أنفسكم القدرة على الحوار الإنساني مع الآخر ، سواء كان الآخر خصما، عدوا أو غريبا و انتم تعيشون في منطقة من العالم ، في قارة عربية ذات تاريخ ثقافي عربي ،ذات لغة عربية و لا تعرفون هذه اللغة و لا هذه الثقافة و في أي احتكام إلى حياة طبيعية بين الإسرائيليين و العرب فان العرب هم الذين سيلتهمون الإسرائيلي ثقافيا ، لان لا يمكن للثقافة العبرية أن تدمر أو تبتلع هذا التاريخ الثقافي العظيم للعرب.

ـ هل تتحدث إذا عن يوم يأتي و يندمج فيه الإسرائيليون في ثقافة المنطقة العربية؟
محمود درويش:
المقصود هو أننا نعيش الآن في عالم جديد في مشروع تأسيس نظام عالمي جديد، أنا لا اصدق و لا اعتقد أن النظام العالمي الجديد الذي يبشر به المفكرون الغربيون قد نشأ و لكن هناك مشروع لنظام عالمي جديد. لا شك أننا نعيش في واقع دولي جديد ،سماته كثيرة وواضحة إقليميا و دوليا و أنا كنت أخشى من خلال متابعتي للحملة الصحافية الغربية على الفلسطينيين و العرب من أن يُربط الموضوع الفلسطيني بالنظام العالمي القديم ، أي كانت هناك محاولة لان يشمل ما أصاب العالم القديم من دمار أن يشمل محمود درويش:
هذا هو قانون الأشياء لا يمكن لهذا المشروع الإسرائيلي الضيق الأفق و الثقافة و المحدود ، أن يلغي تاريخا ثقافيا عربيا موجودا بقوة في الموسوعة الإنسانية الأدبية و العالمية. الثقافة العربية قوية لدرجة ، أن لا يمكن لأحد أن يبتلعها ،فكيف بالحري ثقافة مازالت تتشكل و اعني الثقافة الأدبية الإسرائيلية.
لم ينتجوا حتى الآن ثقافتهم المتقدمة و المتطورة و المهدَدَة .هم المهددون ثقافيا وليس العرب، أرجو من المفكرين العرب أن يخففوا كثيرا من التعبير عن الخوف أو عدم الاحترام لقوة ثقافتهم ، لأنها غير مهددة بسبب هشاشة الثقافة الإسرائيلية.

ـ ما مدى ارتباط الغزو الثقافي الغربي بهذه المسألة؟

محمود درويش:
الغزو الثقافي الغربي يجب أن يُطرح على مستوى آخر و ليس على مستوى الثقافة الإسرائيلية ، بل على مستوى تبني العرب لأسلوب الحياة الثقافية الغربية. هنا الموضوع يُطرح ، لكن الإسرائيليين ليس لهم دور فعال و أساسي في هذا الموضوع ،ليس لأنهم أبرياء و لكن بسبب عجزهم عن تشكيل تهديد حقيقي للثقافة العربية.
على مستوى الاحتلال طبعا يحاول الإسرائيليون أن يدمروا الثقافة العربية للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال و فعلا مستوى اللغة العربية و التعبير عنها و إتقانها لدى الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال ، يتسم بالضعف بسبب الحصار المفروض عليهم و لكن إصرارهم على التمسك بهويتهم الوطنية و الثقافية ،جعلهم يتغلبون على هذه المسالة و انهم يتقنون العربية و العبرية ،دون أن تمس العبرية روح تكوينهم العربي و التمسك بالسلاح الثقافي العربي ، هو أحد الأسلحة التي يحارب بها الفلسطينيون مشروع إلغاءهم الوطني و الثقافي.

ـ في أكتوبر 91 في حديث لمجلة (L’autre journal) قلت انه علينا أن نتبدل، متوجها بكلامك إلى الشعب الفلسطيني ماذا تعني بهذا التبدل و ما الأهداف منه؟

محمود درويش:
أيضا عدالة و مشروعية القضية الفلسطينية. فالتبدل و التكيف مع الوضع الجديد هو أن نعرف كيف نسكن جوهر المعاني و القيم التي يبشر بها النظام الجديد و هي الديمقراطية حقوق الإنسان و حق تقرير المصير و هي نفسها المفاهيم و الأهداف التي يناضل من اجلها الفلسطينيون ،أي نحن داخل هذا التاريخ الجديد و لسنا خارجه ، بهذا المعنى كنت و لا زلت أدعو إلى أن نفهم حساسية الوضع الدولي الجديد .هناك منعطف تاريخي كبير إذا لم نعرف كيف نتكيف معه بطريقة تخدم مصالحنا و تخدم مشروع بقائنا من اجل أن نتقدم فيما بعد، إذا لم نتقن ذلك فنحن مهددون بان يشملنا الانهيار الذي أصاب ما أصاب من أعمدة النظام القديم .التغير هو تغير في فهم موازين القوى في فهم طبيعة الحساسية الإنسانية الجديدة و في فهم التطورات التي حصلت بشكل زلزالي في كل أنحاء العالم .أما أن نجلس على الأطلال و نبكي عالما قديما لم يكن ملكنا ، هذا سيدفعنا إلى أن نكون جزءا من الماضي و أنا اعتقد أن الذكاء الفلسطيني و الشعور بالمسؤولية الوطنية و الوجودية لدى الفلسطينيين جعلهم قادرين على التكيف الإيجابي مع شروط العمل السياسي في الوضع الدولي الجديد ، بشكل اعتقد معه أننا تجاوزنا مرحلة الخطر و استطعنا أن نؤسس مشروع البقاء كخطوة أولى نحو مشروع الانتصار.

ـ لماذا لا نجد مغنيا فلسطينيا استطاع أن ينهض بأغنية وطنية فلسطينية على غرار ما فعل بعض الفنانين العرب اذكر منهم مرسيل خليفة و فيروز؟

محمود درويش:
الفلسطينيون يشعرون بامتنان كبير إلى الفن اللبناني الذي احتضن قضيتهم و غناها ليس غناء تضامنيا و إنما غناء تبّني، لان العلاقات بين الشعبين اللبناني و الفلسطيني عبر التاريخ هي علاقات خاصة . نحن كنا في كثير من عصور التاريخ شعبا واحدا و أرضا واحدة و بيننا علاقات تاريخية و نحن نستطيع أن نعترف بامتنان ، بأن خير من غنى لنا ليس مغنيا فلسطينيا، بل فيروز و خليفة و غيرهما. ما غنته فيروز لفلسطين لم يغنه أي فلسطيني لفلسطين ، لقد عبرَت بأعلى مستويات التعبير، عن الأرض و البطولة و عن أشياء الحياة البسيطة الفلسطينية ،من شباك وشجرة …و لذلك فيروز بهذا المعنى هي مغنية فلسطينية بامتياز، هذا يعني بان القضية في جوهرها هي قضية إنسانية و عربية ،لا يلتزم بها الفلسطينيون فقط . أما لماذا لا نجد اسما فلسطينيا لمع في سماء الأغنية الفلسطينية ،فهذا من الأسئلة المؤرقة التي اطرحها على نفسي. المعاناة موجودة الشعراء موجودون ..هذا سؤال محرج أقول لنفسي مثلا لماذا لا نجد راقصة فلسطينية؟ أما لماذا لا نجد مسرحا، فلذلك أسباب تتعلق بالتدمير الإسرائيلي للمجتمع الفلسطيني و المسرح يحتاج إلى مجتمع مستقر أما الغناء فهذا فعلا سؤال نسلطه على أنفسنا ،لماذا لا يغني الفلسطينيون ؟ألأن الغناء يحتاج إلى فرح آخر ؟لا اعتقد أن الغناء مخلوق للفرح فقط ، لكن هنا الكثير من الشعوب ليس لديها فنانون كبار ،هذا ما يواسينا ربما. و كون فيروز غنت لنا بمثل هذا المجد و خليفة بمثل هذا الانسياب، قد يضع عقبات فنية اكبر إمام أي موهبة فلسطينية ناشئة.ثم إن المغني هو نتاج مجتمع شبه مستقر و هو صناعة فنية ثقيلة يحتاج إنتاجها إلى توافر عدة عناصر خارج الموهبة الفردية للفنان و قد تكون هذه العناصر غير متوافرة في المجتمع الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال و المشغول بشكل يومي بمصارعة أمور أخرى ليس الفن الغنائي في أولها.

ـ في قصيدة يكتب الراوي يموت تتكلم على أقراص منع الوطن الآخر ما هي العلاقة التي تربطك ببيروت كمدينة اليوم؟
محمود درويش:
الكلام عن بيروت يثير الكثير من الشجن و يستدعي أيضا بعض الحذر علاقتي ببيروت و أهلها و ذكرياتها علاقة خاصة تتسم بالعاطفية و تختلط فيها أيضا عوامل ذاتية و عامة. بيروت ، إضافة إلى أنها كانت و أرجو أن تكون مرة أخرى ورشة الحوار الثقافي العربي و جزيرة الديمقراطية الفكرية للعالم العربي ،هي أيضا مدينة تتسم بصفات خاصة فأنا مثلا قضيت في هذه المدينة البحرية الجبلية الجميلة ،نفس المدة الزمنية التي قضيتها في إحدى أجمل مدن العالم و هي حيفا و قد عبرت عن حبي لبيروت بطريقة عاطفية و عضوية ،سببت لي بعض سوء الفهم. من هنا نبهت إلى ضرورة الحذر في هذا الكلام ، لان علاقتي الشخصية ببيروت ،علاقتي الشعرية هي التي شهدت فترة غالية من شبابي الشخصي و الأدبي و فيها حققت بعض ازدهاراتي الأدبية من هنا فالعلاقة بها مميزة و اعتبرها إحدى أخصب فترات حياتي الأدبية و قد كتبت عن بيروت ما لم يكتبه حتى الشعراء اللبنانيون و من المعروف أن الشعر اللبناني كان يكتب عن لبنان و ليس عن بيروت ، كان التعبير عن حب الوطن يمر من خلال التعبير عن العام ، لبنان ، الجبل ،الأرز و كانت كلمة بيروت كلمة نادرة في الشعر العربي و حتى اللبناني و من هنا حين كتبت الكثير من القصائد عن حبي لبيروت، أُسيء فهمي في بعض الأحيان و نسب تفسير هذا الحب البريء إلى اعتبارات غير أدبية و غير شخصية ، نُسب إلى اعتبارات سياسية ،كأنني ادّعي ملكية أو حقا في بيروت و طبعا هذا غير صحيح.و لم أكن أنا ذلك الذي تناول أقراص منع الوطن الآخر و لكن في الفترة و المرحلة السوداء ،مرحلة الوعي الشقي ،مر علينا جميعا في لبنان سواء كنا لبنانيين أو عربا مقيمين في لبنان، في تلك المرحلة لم يفهم الجميع حقيقة المسارات الصحيحة للأشياء و لذلك هذه المرحلة علينا أن ننساها بالاعتراف بأننا جميعا ارتكبنا أخطاء فيها. إن المَخرج الأكثر سلامة من هذه الذاكرة السوداء هي الاعتراف بأننا جميعا، عرب مقيمون في لبنان و لبنانيون ، أسأنا إلى بيروت و إلى لبنان و قد تم اليوم تجاوز مرحلة الوعي الطائش و لا يبقى منها إلا حقيقة ما يترسب من ذكريات بريئة و سليمة عن معنى بيروت و معنى لبنان .
ما كنت أقوله هو عن حق الشاعر في أن يدعي جمالية ملكية في المكان ،لا يستطيع الشاعر أن يكتب عن أي مكان كتابة حيادية أو كتابة سياحية ،لذلك عندما يكتب عن مدينة كمدينة بيروت، فمن حقه أن يدعي أنها مدينته الخاصة و قد واجهت مثل هذه الملاحظات مع أصدقائي بعض الكتاب الأسبان، فأنا اكتب عن الأندلس بشغف و لهفة و سألني بعض الأسبان هل ادعي ملكية حقوقية في الأندلس، قلت بالطبع لا ادعي ذلك، لكن الأندلس ملكية جمالية إنسانية عامة و من حق بيروت أن تفخر أنها محبوبة إلى هذا الحد و من حق هذه المعشوقة أن تتفاخر بكثرة عشاقها ،دون أن تعير عن الخوف من ادعاء حقوقي فيها، فبيروت هي للبنانيين ولكن أن تكون محبوبة و مكتوبة إلى هذا الحد ،فهذا يعني أنها قادرة على الإلهام ، قادرة على أن تكون مصدر وحي للجميع و إنها ملكية بهذا المعنى الجمالي الإنساني العامة.

ـ مسألة الصراع في الشرق الأوسط ما مدى إمكانية التوصل إلى تحقيق سلام قريب؟

محمود درويش:
الصراع في الشرق الأوسط هو بين حق عربي تعرض لأكبر عملية سطو في التاريخ المعاصر على أيدي الاستيطان الإسرائيلي و بين حق العرب و الفلسطينيين باستعادة هذه الحقوق. طبعا هناك إمكانية لمصالحة بين العرب و الإسرائيليين ، إذا تمكن الإسرائيليون من الانتصار على أهوائهم التوسعية و الاستيطانية و على انغلاقهم على الذات و على احتكار الله و الأرض و إذا اعترفوا بضرورة التعامل الإيجابي مع روح العصر الجديد و هو روح تقديس حق الشعوب في تقرير مصيرها و عدم صلاحية العدوان و الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة ، أي إذا اعترفوا بضرورة الانسحاب من الأرض العربية و الفلسطينية المحتلة و اعترفوا بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ،فان السلام يصبح ممكنا وواقعيا و ندخل في عهد جديد من التعايش. اعتقد أن هذه الفرصة و إن طال تحقيقها، لا بد لها أن تتحقق و لا بد للمجتمع الدولي بان يشعر بان الاحتلال الإسرائيلي يشكل نشازا لروح العصر الجديد و انه لا يمكن للسطو و الاحتلال أن يسيطرا على إرادة الشعوب إلى مدى طويل .أنا لا أعتقد أن السلام العادل ممكن لأنه لا يزال طويلا و لكن السلام الواقعي ممكن ، إذا تحققت شروط معينة في أولها الانسحاب الإسرائيلي الكامل بدون أية شروط ،من الأراضي العربية و الفلسطينية المحتلة .