mercredi 20 juillet 2011

تابوت للأحياء

كالتي تجرّب فستاناً قبل شرائه جرّبت أن أموت في ذلك التابوت. لأ مش حلوة هذه الجملة! أو ربما تكون مقبولة لكنني أحب استخدام خاصية الشطب وإلا لماذا وضعت (في ضمة على واو  وضعت لكنني لم أجدها) في هذا المكان؟ ستتعفن إن لم أستخدمها.
كان وجهي في منتهى الصفاء عندما متّ قليلا في ذلك التابوت وكان الأمر مسلياً ومضحكاً. هل يكون مسليا  عند موتي؟ أم أنه لم يكن كذلك أصلا.. بل هي بهجة بالغنا في اختراعها لنكسر رعباً أزعم أنني لست معنية به. خرجت منه عندما مرت الثمانينية وصاحت بي: قومي، قفي ماذا تفعلين عندك من المبكر شراؤه الآن٬ قبل أن تنتبه إلى طابور الناس الطويل ولافتة مكتوب عليها: "جربوني". والكل يريد أن يجرب الموت من دون أن يموت وهذه فرصة نادرة. في خلال يومين استلقى مئات الأشخاص في التابوت نفسه٬ اختلفوا في رد الفعل واتفقوا على التقاط الصور.



قد أكون زرت معارض في حياتي بعدد شعر رأسي وقد تكون هذه المرة الأولى التي أزور فيها معرضاً وأبقى فيه يوماً كاملاً
كانت حميمية ما (لم أعرفها سابقا في المعارض) تنشأ بشكل مدهش بين الزوار والعارضين، أحاديث لا تنتهي٬ تولد فجأة من سؤال بسيط فيستدعي إجابة تشبه رباطاً ملوناً يخرجه لاعب خفة من قبعته. رباط لا بداية حقيقية له ولا نهاية
أمام شجرة الأمنيات أتفرج على أمنيات الناس وقد كتبوها على قصاصات ورقية وضعت خصيصاً لذلك ثم علقوها على الشجرة. شجرة الحياة. تخايلتها ثماراً ووددت أن أجد أمنية تعجبني فأقطفها وتصبح ملكي.آكلها فتتحقق.

جال نظري قليلا على الثمار المكتوبة. احترت بين الضحك والتأفف. هذه أمنيات لا تناسبني. مثلا: "أتمنى ان أذهب في اجازة الى كينيا هذا العام" ـ ما تذهب أو عمرك ما ذهبت ـ أو "أتمنى أن ينجح حفيدي في مسابقة (ايه مسابقة) البكالوريا" أو "أتمنى أن يحبني" و"أتمنى أن أشفى نهائياً من داء المفاصل والخ الخ"
تضحكني كثيرا هذه الـ إلخ الخ 
كنت سأكتب أمنية مستحيلة لكنني خفت فعدلت. كنت سأكتب: أتمنى ألا أموت. ثم قلت لنفسي ماذا سأفعل عندما ستموتون كلكم؟ سأكون وحيدة بكل الأحوال  فلم أكتب أمنية

عندما كنت صغيرة صغيرة صغيرة اقتنعت مرّة أن تعويذة ـ لا سمح الله ـ تمنع الموت والشر عن أحبتي.. كنا دائما نربط الموت بالشر.. بعيد الشرّ بعيد الشرّ.
أرسلت صوري في التابوت إلى نون ثم نشرت واحدة على فايسبوك : "واي نات ايتز فاني" قالت زائرة بريطانية وهي تهم بنشر صورتها هي أيضاً.. قطع استرسالنا في الضحك صوت نون يزعق: "بعيد الشر بعيد الشر شيلي الصورة فوراً وحالاً عن فايسبوك."
كيف ألغي الصورة فوراً وحالاً من جهاز التلفون؟ خاطرت وكرجت متل البطة اتصل بصديقتي أعطيها "الباسوورد" فتلغي الصورة من كمبيوتر طبيعي على أن أبحث عن مسألة كيفية إلغاء الصور عبر الهاتف الذكي لاحقاً. هل يكون ذكياً حقاً؟
عموما قد تكون هذه من المرات النادرة التي أنفذ فيها أمراً دون انفعال أو تفكير. أكره الأوامر بكل أشكالها ويطيب لي دائماً أن أتجاهلها إنما هذا موضوع آخر.

متى كان المعرض؟ في نيسان \ أبريل!


 معرض الموت في دورته الأولى
وأنا منذ ذلك الوقت أؤجل تدوينة الزيارة٬ أتجاهل التسجيلات الصوتية لأحاديث التقطتها هنا وهناك.. الأنا٬ التخلي٬ انقسام الروح٬ احترام المراسم٬ انتظاره بوداعة٬ القبول٬ ومليون اختراع ليكون موتنا جميلا.. أقل قبحا. أقل قسوة.. نتكلم عن الموت لنعيش الحياة بشكل أفضل٬ تعلم كيف تتعايش مع غياب الأحبة٬ الموت يشعر بالذنب ويذهب في إجازة٬ هو الذي كان يعتقد أنه يحافظ على توازن الكرة الأرضية٬ أصيب بأزمة وجودية حادة٬ توابيت بيئية من كرتون زاهي الألوان "يا زاهي الألوان آه أسمعنا" يكفي ذلك؟


لا يزال هناك الكثير الكثير من الأشياء التي اصطدمت بها: نخب الحياة ونخب الموت ٬ العاملون في مهنة الموت... أركض بين جناح وآخر أستمع.. لم أستمع بتركيز كما فعلت في ذلك اليوم منذ دهر.. "أشعر بألم في أجدادي" وكل تلك الكتب وكل تلك الوجوه التي تتحول كل دقيقة ألى علامة تعجب بائسة٬ دفن أشلاء ضحايا الحروب ولائحة طويلة طويلة تتعبني بمجرد التفكير بنشرها كاملة.

أغادر المكان  أمحو الزيارة بعد يومين من رأسي وأقرر ضمنا أنني لا أريد التحدث في هذا الموضوع


*** 
كنت أهم بالضغط على زر نشر هذه التدوينة٬ صوت وصول رسالة إلكترونية يشتت انتباهي قليلاً.. أفتحها.. حكمة اليوم من "غودريدز"٬ أقرؤها وأنسطل قليلاً.. هل أسمي الأمر صدفة؟
Goodreads no-reply@mail.goodreads.com à moi
à 10:57 (Il y a 18 minutes)

Don't be afraid of death; be afraid of an unlived life. You don't have to live forever, you just have to live.

- Natalie Babbitt


يأتيني صوتي من داخلي: لا٬ لا مكان للصدف هنا.. انتبهي "ذا بيغ براوزر ايز واتشينغ يو"! وهيك 

2 commentaires:

Anonyme a dit…

غريب ومضحك في آن معاً...كنت انهي اخر صفحات كتابي الذي أقرأه حالياً:"عن الذاكرة والموت" لونوس يقول خاتماً اخر صفحاته:
كلّما هاجت قروحي وزاد وهني تساءلت إن كانت الحياة حقاً مجيدة!وإن كان الانسان فعلاً تلك الاعجوبة التي تحدث عنها سوفوكليس
..تمددت في قبري وحاولت أن أنام وسمعت غناء شجياً سألت الممرضة عن مصدر الغناء ،فأصابتها الدهشة وقالت إنها لاتسمع أي غناء..عرفت في تلك اللحظة أني عشت مرات عديدة تلك التجربة المثيرة والتي يختلط فيها الاحياء بالاموات ببساطة تكاد تكون هزلية "ربّما كان طرحك فيه شيء من الكوميديا لكن فيه من العمق ما يجعلنا نتوقف لحظات لتامل تلك الساعة التي تستلقي فيها في ظلمة التابوت....
يبدو اني بحاجة مزيد من الوقت لتقبل فكرة ان استلقي بإرادتي الكاملة في ذلك الصندوق المظلم...:)

تحية لقلمك

ريتا خوري a dit…

لا سمح الله بعيد الشرّ بعيد الشرّ

:)
قد تصب رواية خوسيه ساراماغو كل الأسماء في مأزق الأحياء والأموات نفسه
الله يرحمهما