jeudi 23 mai 2013

"أسرار صغيرة".. حياة ثانية ـ المدن

هلال شومان
الاربعاء 22/05/2013, آخر تحديث 08:07 م




تستهل الإعلامية ريتا خوري كتابها بمقدمة، هي عبارة عن نص قصير مبرِّر، كُتب خصيصًا للكتاب، بعد جمع تدوينات نشرتها الكاتبة بين العامين 2006 و2011. 

تشير المقدمة القصيرة إلى أن "أمتع الكتابات هي تلك التي تكتب باسم مستعار (..) هنا فقط تكمن الحرية"، وذلك في محاولة رد الجميل إلى مكونات الوسيط التدويني، فيعرف القارئ أن النصوص ظهرت أصلًا كتدوينات بأسماء مستعارة، ليتماهى الكتاب تلقائيًا مع عنوانه، "أسرار صغيرة"، من دون أن يدعي أكثر.

هذه الكتابات إذاً، التي أنتِجَت في ظل انعدام هوية صاحبتها، تستعيد في شكلها الحالي اسم كاتبتها الأصلي المتداول اجتماعياً خارج عالم الويب، مترافقةً مع التحرير النصّي الذي قد يبدو صارماً بالنسبة إلى من كان قد تتبع بعض المدوّنات على الويب. لكنّ هذا التحرير، للأمانة، يحاول البحث عن منطقة وسطى، تحافظ على فكرة النشر اللحظوي في المدونة، بموازاة النشر الورقي الذي يمر بمراحل أكثر تشدداً قبل ظهوره كمنتج نهائي. ومن هذا المنطلق، يحافظ الكتاب، في ثلثيه الأولين على الأقل، على تعليقات وردت في بعض التدوينات. 

لكن على الرغم من محاولة التقرّب من مناخ المدونات، حيث تدور غالبية التفاعل في قسم التعليقات، ويتسبّب بعضها في تدوينات لاحقة، لا يلتفت الكتاب إلى التعليقات. فالتعليق الوحيد الذي يرد أول النص، صار هنا مدخلًا للنص، عوضًا عن كونه تعليقًا متفاعلاً مع أخرى سبقته أو تلته.

والتحرير (النصّي/الكتابي) هنا، يستمر مع عملية انتقاء التدوينات وجمعها وترتيبها. فلا يُذكَر تاريخ نشر كل تدوينة، ولا تُعرَف المدونة التي نشرَت فيها. ولعلّ هذا مقصود، لتجنب إظهار الكتاب في شكل يوميات. الأولوية هنا إذًا لصيغة وسطى بين النشر الورقي والنشر الالكتروني اللحظوي. على الرغم من ذلك، تبدو هذه الصيغة أمينة لمحاولة ابتداع الحالة الورقية، فتبحث عن مواضيع  تتصل وتفترق، وتحاول توليفها في خط سير يستمر حتى نهاية الكتاب الورقي، مقطوعًا بلمحات من نصوص أدبية ويوميات أطول (تختلف عن الحجم المعهود للتدوينات)، إضافة إلى "ألعاب" اعتادها جمهور المدونات من نوع الإجابة عن بعض الأسئلة أو الاحتفاء بيوم عالمي ما.

تشمل الخطوط الأساسية علاقة الكاتبة بأمها، وعلاقتها بـ"نون" وبنفسها. وكل ذلك يظهر في شكل أسئلة، أو على الأقل ينطلق من الأسئلة. وهو لا يبقى ثابتًا. لعلّ هذا أحسن ما في الكتاب. فإن ظنّ قارئ بأن العلاقة بين الكاتبة والأم تكاد تنحدر إلى نقطة اللاعودة، سرعان ما يفاجأ بالتطورات الصغيرة، والأمر نفسه ينطبق على علاقة الكاتبة بـ"نون".

هذه الانقلابات الصغيرة تشبه فعلًا الأحاسيس اللحظية التي تسعى المدونات إلى جمعها، وفي هذا نجح الجمع في إعادة خلقها وتحليلها في سياقات السير المذكورة.

ورغم إنه من السهل النظر إلى هذا الكتاب باعتباره جزءاً من "أدب المدونات"، وهو مصطلح ظهر في الصحافة بعد العام 2005، إثر محاولات نشر ورقي للمدونات، إلا أنه يبدو متخلصًا من هذا التعريف المدّعي. فالكتاب نفسه في شكله هذا، والزمن الذي نُشِر فيه، يطرح إشكالية أفول عصر المدونات، وبروز التدوينات الصغيرة (تغريدات تويتر، وستاتوسات فايسبوك)، ما ييفرز السؤال: كيف سيتحول خطّ السير الجديد هذا في ما لو جمّع ورقيًا؟ وهل تبدو الانقلابات الصغيرة بمقياس المدونات أكبر وأقل لحظوية من انقلابات التدوين المصغر؟

تلك أسئلة تتجاوز كتاب "أسرار صغيرة" بالطبع. لكن الكتاب، رغم محافظته الشكلية، قد يدفع إلى وجهة أقل أمانة للوسيط الورقي، وأكثر مغامرة في حالات التدوين المصغَّر. 

يرد في نص "الحياة الثانية" من الكتاب: 
يسأل "شاندرا مان": ماذا تريدين أن تكوني في حياتك الثانية؟
أنظر عن يساري وأقول: "أريد أن أكون هذا النهر الهادر (..) أو ربما هذه الشجرة، وماذا عنك؟"


وإذ يتتابع النص، يشعر قارئ بالمفارقة فيسأل: هل يكون هذا الكتاب فعلاً بمثابة الحياة الثانية لتدوينات ريتا خوري؟ وهل من حياة ثانية لتدويناتها المصغرة بعد 2011؟
http://www.almodon.com/Media/Left-Articles/-%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%B5%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%A9--%D9%88%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A7--%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9

Aucun commentaire: