vendredi 8 février 2008

لما زعل أمين




وأنا أعرف أمين وأحترمه أشد احترام منذ عشر سنوات بالتمام والكمال .


وإذا أردت أن أصف أمين، بإمكاني القول إنه اسم على مسمى.. رجل خلوق، طيب، عادل ، جاد ومهني محترف إلى أقصى الدرجات.


عندما عملت معه أول مرّة لم أكن أفهم الكثير، بل لم أكن أفهم شيئاً في تنفيذ التقارير والتحقيقات، لكن بما أن أمين صبور وهادئ إلى أقصى حدّ، أفهمني ببساطة ودون أن يلعب دور الذي يعرف ويفهم في كل شيء، أفهمني قواعد هذا العمل بالتحديد.


ثم حدث وأن عملنا على مجموعة من التقارير التي يحلو لي أن أسميها أفلاماً وثائقية أقصر من قصيرة. نعم أفلام. لأن أمين يملك حساسية مرهفة في تعامله مع الصورة والقصة، فتتحول القصة البسيطة بين يديه، إلى تحفة فنية صغيرة، وأنا لا أبالغ ولا أمسح الجوخ وليست هذه طريقتي في الاعتذار عندما يزعل أمين.


أحتفظ حتى اليوم بأحد أعملنا المشتركة التي حملت عنوان الوقت.


ومرّ الوقت وذهب كل منّا في اتجاه، ثم عدنا والتقينا منذ عدة أشهر في تعاون مختلف، لكن التعاون مع أمين ممتع.


لم أكن أرغب مرة في أن أزعّل أمين، هو الذي يملك طريقة مبتكرة في إزالة أحزان الآخرين.


دخلت مرة المكتب في الصباح الباكر، ولم أكن على بعضي.. لم يسأل ما بي أو ما الذي يزعجني بل خرج لحظات وعاد بريشة من تلك التي نمسح بها الغبار عادة، ولكن أية ريشة. حجمها صغير، لونها زهري فاتح، مجرد النظر إليها يدعو إلى الابتسام. جاء أمين بالريشة، وبدأ ينفض بها أحزاني وكأن الأحزان تحولت إلى غبار يسهل التخلص منه. عنصر المفاجأة هذا يولد الضحك، فأنسى أحزاني ولو للحظات.


ولكنني لم أكن أعلم أن بإمكان أمين أن يزعل مني!


كنت منذ فترة قد تعاونت مع قناة الجزيرة للأطفال على إعداد مجموعة من الحلقات عن مهرجانات سيرك عالمية، جرى معظمها في فرنسا وقمنا بتغطيتها. ذاكرتي لا تحتفظ من صور السيرك إلا تلك التي كنا نشاهدها في طفولتنا على جهاز التلفزيون، فلا سيرك مع الأسف في بلادنا.


وأكثر ما كنت أحبه في السيرك، وجود المهرج. ليس لأن المهرج يضحك الناس، بل لأنني كنت أتساءل دائما عن الشخص الحقيقي الذي يختفي وراء زحمة الألوان وهذا المنظر الذي يعشقه الأولاد. كنت على يقين أن المهرج يخفي دائما في قلبه أحزانا كبيرة، لا تقوى حتى فرشاة أو ريشة أمين الزهرية على إزالتها.


وأنا لم أكن أتوقع إطلاقاً أن يزعل مني أمين.


أول ما وصلت السيرك، فتشت عن المهرج، ومن بين الأسئلة التي قمت بإعدادها، كان سؤال عن الأنف الأحمر ومعناه. أدخلني في حكاية لن أدخل في تفاصيلها الآن لضيق المكان.. وبعد ذلك طلبت منه أن يزودني بأنف أحمر وسألته عن إمكانية أن يساعدني على وضع الماكياج الخاص بالمهرجين على وجهي، وعدني خيرا، لكنه لم يفي بالوعد.


ومن سيرك إلى آخر التقيت بعدد لا بأس به من المهرجين، ورحت أستعيد النظرة السطحية التي يملكها الناس عن المهرج بشكل عام، وكلما تعرفت إلى المهرجين أكثر كلما ازداد إعجابي بهم وكلما اكتشفت أن الناس يظلمونهم بنظرتهم السطحية والمستخفة بهم.


هناك تعبير فرنسي يقول إذا أرادت أم أن تؤنب ولدها مثلا: توقف عن لعب دور المهرج! من قال إن دور المهرج عاطل؟ من نقل هذه الصورة البشعة عنه. المهرجون الذين التقينا بهم وتحدثنا إليهم، يملكون كماً من العلم والثقافة والموهبة الخاصة على إضحاك الناس. المهرج كرسام الكاريكاتور، يضخم الأشياء ويبالغ بها، ودائما هناك رسالة من وراء عرضه، رسالة تمرّ عبر الضحك أسهل الطرق.


تخطر ببالي الآن إحدى رباعيات صلاح جاهين والتي غناها سيد مكاوي، يتطرق فيها إلى المهرج والذي يسمونه بلياتشو يقول:


بلياتشو قال إيه بس فايدة فنوني


وسبع وقاق مساحيق بيلونوني


والطبل والزمامير وكتر الجعير


لو كان جنون زبوني زاد عن جنوني


عجبي


لكنني ما كنت أريد لأمين أن يزعل مني.


في سيرك مونتكارلو تمكنت أخيرا من الحصول على أنف أحمر أهدتني إياه المنتجة ريما عجيل وكنت لها ممتنة وشديدة السعادة بأنفي الأحمر الذي يضيء ويطفئ كمصباح محتار.


ثم قررت شراء عدد من الأنوف وتقديمها كتذكار من رحلة السيرك إلى أصدقائي. وحدث هذا بالفعل.


قد يجدر بي أن أفرد نصاً خاصاً أتحدث فيه عن شؤون وشجون السيرك لاحقاً.


المهم عدت من رحلة السيرك وتوجهت إلى المكتب، احتفظت بالأنف الأخير وقررت أنني سأهديه إلى أمين، لأنه يبعث على الابتسام، تماماً كفرشاته الزهرية اللون، فتكتمل مجموعته التي تمسح الأحزان.


أتممت عملي وسلمت أمين هديته وغادرت.


عدت بعد أسبوع ، أتممت عملي، وفي لحظة ما قال لي قلبي أن أمين زعلان مني رغم أن تصرفاته كانت هي هي.


في طريقنا لتناول الغداء سألته إن كان زعلان مني، وتطور الحديث لأكتشف أن هديتي، الأنف الأحمر كان سببا لزعل أمين مني.


صعقت، فقط لأنني لم أكن أملك أية خلفية، أو معنى أو نوايا سيئة خلف الهدية. شرح لي أمين أن الهدية أتت في يوم لم يكن فيه على بعضه، وأن هناك من سأله لماذا أهديه أنف مهرج؟ ففهمني غلط.


اعتذرت وغادرت وأصبت بأزمة ضمير، وقررت أن كتابة هذه الحادثة ستريحني من الشعور بالذنب.


عزيزي أمين


نسيت أن أقول لك إنني رغبت في لحظة من اللحظات وأثناء المهرجان أن أكون مهرجا، وأنه ليس بإمكان أي شخص أن يكون مهرجا حقيقيا بالمعنى الذي أعرفه أنا وليس بالمعنى السطحي المطبوع في أذهان وثقافة الناس.


مرة أخرى ومن هنا أعتذر مجددا إن كنت أسأت عن غير قصد وشكراً لأنك عدت وتقبلت الأمر برحابة صدر.


الآن يجب أن أفكر جيدا وأن لا أتصرف بعفوية، إذا أردت أن أقدم لك تذكارا آخر في مناسبة أخرى.


نسيت أن أقول لك أيضاً أنني تعلمت منك الكثير على المستوى المهني، وأحترم وأثق بكل كلمة ونصيحة تسديها لي مهنياً.. وأنتظر بفارغ الصبر أن تتخطى مرحلة العمل التلفزيوني وتنتقل إلى مكانك التالي، في الإخراج السينمائي.


أقول ذلك لأنني أصدق المثل القائل: فرخ البط عوام، لا أعرف ما هو المعادل الجزائري لهذا المتل، ربما الولد سر أبيه بتنفع.


سلام لوالدك المخرج الجزائري أحمد راشدي واستر ما شفت مني.


محبتي.




13 commentaires:

All Seeing Eye a dit…

i loved ur "chic" apologies.
peace of mind all the time for u.

ريتا خوري a dit…

dfg
شكرا لمرورك من هنا ولهذا الوقت التي اعطيته لقراءة الاعتذار حتى ولو اعتبره أمين تبخيرا
شكرا لك
:)

All Seeing Eye a dit…

Dear Rita,
i really dont understand how blogspot is messing with my treademark name , im All Seeing ye and not "dfg". at least they could have chosen a cuter name :)
anyway, take care and keep in touch

ريتا خوري a dit…

!!!
أين انت يا رجل؟
اهلا بك بأسمائك الوهمية التي تختارها انت او يختارها لك بلوغسبوت
كن بخير
تحياتي

Anonyme a dit…

Moralité de l'histoire : " Qui souhaite offrir un nez de clown, se place au centre de l'occasion" :o)

Soit heureuse à chaque instant ma tendre amie.

Amine

ريتا خوري a dit…

Amiiiiiiiiine
Quelle bonne surprise
:))
'j'aime bien cette moralite de l 'histoire
lool
Toi aussi, et portes toi bien, et espere te retrouver bientot
il faut peut etre m envoyer une photo de plume magique pour l ajouter a ce poste
:))
xoxo

Anonyme a dit…

Salam Rita
En parlant de clowns et de nez rouge…, me vient à l’esprit une très belle citation de Jean Yanne qui disait « Il n'y a que les clowns qui ne sont jamais ridicules. Et il sera toujours moins ridicule de se mettre un nez rouge que de s'habiller comme le pape ou comme un juge. »
J’ajouterais, ou de s’habiller comme un soldat ou un politicien !
Le Liban, l’Iraq ou le monde arabe ont tous besoin d’être gouvernés par de vrais clowns, car je n’ai jamais vu des clowns s’entretuer ou faire une guerre civile !
Bien à toi

ريتا خوري a dit…

chahid
لم أكن قد سمعت بهذه المقولة لجان يان وانا سعيدة جدا بالتعرف اليها فشكرا لهذه الإضاءة
كما أنني اتفق معك تماما بشأن مهرج يحكمنا
يا ليت
شكرا لمرورك ونهارك سعيد

Anonyme a dit…

أولاً أنا سعيد جدا لأني وصلت إلى هنا ذات صدفة
ـ ثانيا : أريد أن أسأل الأستاذ أمين إن كان لديه مكنسة كبيرة من تلك التي يحرّكون فيها الزرع أيام الحصاد
لنكنس بها فائض الأحزان الطارئ و المقيم هذا
ـ لو كنت مكان أمين ( لزعلت ) منك من جديد ..كي تكتبي بهذه الطريقة الرائعة
التي عصفت بي أنا .( مع اني مش زعلان منك )
فما بالك بأمين و هو بهذه الأخلاق الرائعة التي وصفتيه بها

شكرا على هذه الجرعة الأدبية الرائعة يا أستاذة

جـو غـانـم

joe75.jeeran.com

"عقلي المتجمد الشمالي "

ريتا خوري a dit…

جو
هلا
حضرت وما حضر واجبك
مشكور على المرور والتعليق وعلى هالكلام اللطيف
لا يهم نوع المكنسة يا عزيزي فوحدنا قادرون على طرد الاحزان وعلى استبقائها
دمت وسلمت من كل حزن
تحياتي

david santos a dit…

Thanks for your posting and have a good week,
Until Always.

أُكتب بالرصاص a dit…

ظن أنك تقصدي أنه مهرج(سطحي) ولم يفهم عمق الرسالة التي أردتي أن توصليها إياه

ليس له حق ان يزعل
واعتقد انه من السهل عليكي ان ترضيه مرة أخرى

ريتا خوري a dit…

اكتب بالرصاص

على الأرجح انه للوهلة الأولى ظن كما تقول
لكن الأمور اتضحت وبما ان قلبه طيب لا حاجة لاسترضائه مرة أخرى
تحياتي