jeudi 10 mai 2007

خارج الحياة: مارون بغدادي


خارج الحياة قصة درامية لمغامرة إنسانية، ولدت من حقيقة مأساوية، مثلت وجه لبنان. مستوحاة من تجربة "روجيه هوك"، صحفي سُجل في قائمة الرهائن في بيروت يوما.. خارج الحياة هو الفلم الرابع لمارون بغدادي عن وطنه لبنان بعد حروب صغيرة و الرجل المحجب ثم وطن العسل و البخور.
ترك بغدادي وطنه منذ حوالي 8 سنوات و لكنه أبقى جزءا من ذاته هناك ،أعطاه دفعا لتجسيد مأساة الإنسان فيه و تصويرها بواقعية اكثر.


*** تجربة الصحافي روجيه هوك كانت الشرارة التي ولدت منها فكرة الفلم كيف تطورت هذه الفكرة و تعددت مواضيعها؟
مارون بغدادي: كان الهدف في البدء إنتاج عمل سينمائي يتحدث عن مشكلة أو موضوع ما في لبنان و من خلال خمس موضوعات طُرحت، و قع الاختيار على تجربة الصحافي الفرنسي روجيه هوك، الذي خُطف في بيروت و قام بتسجيل تجربته في كتاب بعد إطلاق سراحه. استهوتنا هذه القصة اكثر من غيرها، ثم بقيت وحيدة لنستوحي منها العمل بحرية.

***ماذا تعني بأننا استوحينا العمل بحرية؟

مارون بغدادي :اعني أن الكتاب كان مهما جدا من ناحيته الواقعية ، نظرا لما يجسده من حالات و انفعالات و لما يصوره بكل دقة و تفاصيل. للمرة الأولى هناك مخطوف يخبرنا عن معنى النوم و الحركة عن معنى الأكل عن معنى الضوء عن معنى الحرية، هذا من ناحية ، من ناحية ثانية أعجبتنا النظرة المجردة من أي شعور بالكراهية أو العدوانية تجاه الخاطفين بل كانت اكثر محاولة فهم .كان يحاول و هو في زنزانته أن يتفهم ليس فقط ما يحدث له بل ما يحدث حوله و ما يحدث لكل من هم حوله أيضا. كان باستطاعته أن يروي كل ما حصل له دون الالتفات إلى شخصية الخاطفين ووضعهم النفسي لكن على العكس حاول الدخول و التعرف عليهم و على مشاكلهم ، إلى حد الاهتمام بهم أحيانا. لذلك حاولنا نحن أيضا وضعه في إطار معين ، ليجلو لنا صورة عن جانب لبناني من منظار معين . الفلم ليس فلما عن الحرب في لبنان بقدر ما هو رؤية واقعية و جزئية لصورة غير مكتملة بعد. المشكلة أن معظم اللبنانيين عندما يسمعون عن عمل لبناني جديد، فيلما كان أو كتابا أو غيره يعتقدون انه الجواب أو طرح الحلول للمشاكل القائمة و هذا خطا فادح. ما حاولت القيام به من خلال الكتاب هو الذهاب إلى ما نسميه في السينما contrechamp الجهة الثانية غير المرئية أو غير المصورة و هذا يعني البحث ابعد مما في الكتاب و ابعد من حالة المخطوف نفسه.فكانت اللعبة إرسال الكرة مرة من المخطوف إلى الخاطفين ثم ردها بالاتجاه المعاكس و بتوجيهنا العدسة في الاتجاهين المضادين نكون قد لفتنا نظر الجمهور إلى المشكلة أو القضية.كل هذا دون طرح حلول أو أجوبة.نقول فقط كل ما حصل في لبنان طوال 15 سنة نحاول أن نعطيكم منه اليوم بعض الصور أو بعض الحوادث.
انتقلنا بعد ذلك إلى مرحلة سيناريو الفلم مع كاتبين ،الكاتب الفرنسي "ديدييه لوكوان" و كنت قد عملت معه سابقا في فيلم بلاد العسل و البخور و الكاتب الصحفي اللبناني الياس خوري الذي يعيش في بيروت و كنت محتاجا جدا إلى هاتين النظرتين .فرغم كوني لبنانيا و لدت و عشت في لبنان، فأنا أعيش في فرنسا منذ مدة طويلة، 8 سنوات و هذا كثير.لذلك كنت بحاجة إلى رؤية الإنسان الذي عايش الحرب حتى اليوم و الإنسان الآخر الذي يرى الأشياء من بعيد. هذا إذا أردنا من الناحية العملية .أما من جانب آخر كما سبق و أوضحت إن الفلم لا يروي فقط حياة مخطوف بل يعرض مشكلة قائمة.
رغم محاولاتنا أن نطال موضوعات اكثر عالمية و شمولية كموضوع الخطف و الإرهاب و لكن تبقى خصوصية المكان، خصوصية لبنان ،خصوصية مدينة فريدة هي بيروت، بغض النظر عن كوني لبنانيا و ابن هذه المدينة تبقى بيروت مختلفة .بيروت لا تشبه الآخرين. العوامل ليست فقط هنا سياسية بل ثقافية أيضا و حضارية، لماذا ؟ لان دور بيروت كان فريدا في المنطقة، كانت هذه المدينة ملتقى الشرق و الغرب تعانقت فيها كل الثقافات. بيروت سمحت لي و لك و للكثير منا ، الانفتاح على العالم و الثقافات و الحضارات لكن مع الاحتفاظ بثقافتنا و أصالتنا و حضارتنا العربية .عربية و لكن ذات خصوصية.هذا ما كان بالأمس، إنما اليوم فقد تغيرت المعطيات و مجريات الأمور، بيروت اليوم غير بيروت الأمس.فعندما نضع فرنسا في هذه الفوضى الجديدة يصبح هو نفسه الرمز للتعبير عن هذا التضاد و المعاكسة.
مع كل ذلك نحب هذه المدينة ، رغم أننا نرجمها و نريد استعادتها و استرجاعها كما المخطوف .انه منبوذ و مرفوض و لكنهم يشفقون عليه أحيانا و يحبونه و يتعلقون به.

***تصوير الحياة اليومية وواقع الحرب مع كل ما يداخلهما من أحاسيس و مشاعر إنسانية قد يبدو للغرب غير منطقي أو غير عقلاني رغم انه يبقى من خصوصية هذه المدينة الملاك الشيطان، ما تعليقك على كيفية قراءة هذا الفلم؟

مارون بغدادي: يمكن أن يكون التعليق موجزا بكلمة واحدة ، اللغط الثقافي .كنا نستطيع من قبل أن نتكلم و نناقش في أمر من الأمور و في جو من الحرية، أما اليوم فيتعذر ذلك.عندما نأتي بشخص يعتمد المنطق و العقلانية و يعتنق الحرية ، فنضعه في هذا الجو، تبدو المجابهة واضحة.المجابهة بين شخصين يتكلمان و لكن لا يفهم أحدهما على الآخر .إنني أعطي هذا المثل دائما. عندما كان الفرنسي يلعب الدومينو مع أحد الخاطفين ، يسميه هذا الأخير باسم جديد ، يثور المخطوف و يرد عليه "أرجو أن لا تغير اسمي "، فيقول له الخاطف "من سواك بنفسه لم يظلمك ". هذا رائع جدا.هنا نرى الاختلاف بين منطقين و ثقافتين. على مستوى آخر، نتطرق إلى بعض خصائص الحرب في هذه المدينة و هي اليوم خصائص عالمية ،فكأنني أقول إن المصير الذي يُلعب في بيروت يدق ناقوس المستقبل للعالم، فماذا يعني هذا ؟هل هذا يعني أن العالم سيمضي إلى الانغلاق فيرجع كل إنسان إلى فئة أو وطن أو عشيرة؟ المحزن هو أن ما نراه هو عكس ما نتمناه و اكبر مثل على ذلك مدينة نيو يورك مع كل التجمعات الحاصلة فيها من أسبان و يهود و إيطاليين و صينيين…حيث لكل حي و منطقة أمكنة خاصة بهم.أما المستوى الثالث فيتجلى بالعمل الفني و باعتقادي انه عندما نعمل في مجالات الثقافة و السينما و الأدب نتطرق إلى مسافات كونية ، مسافات بيروت عندما تصبح عبارة من مسرح شكسبيري ، مسرح للضعف البشري و أهواله ، عندما لا يبقى إلا كائنات من غير هوية تتصارع ، فنصور حالة كل منهم و نصور تأثير الحرب عليهم ، نصور معاناتهم ..من هم أطفال و ضحايا الحرب؟ نراهم في الفلم ، عندما نضع جانبا مفهوم الأيدلوجيات البدائي للرد على السؤال ، نبدا عندها بالبحث عن الحوافز الإنسانية لكل ضحية. هذه الحوافز تمثل الماضي بمعاناته و تفاصيله اليومية لهذه الكائنات .هناك الآتي من الجنوب من تحت الاحتلال و عليه تأمين قوت عائلته و الآخر المثقف ، غير القادر على الذهاب إلى فرنسا لاكمال دراسته و الثالث و الرابع و الخامس..لكل حلمه الخاص به.الأحلام مع مرور الوقت إذا لم تتحقق تصبح كوابيس، و الكوابيس معاناة قد تتجسد بثورة أو كراهية و حقد على المجتمع.كل هذا يمثل تيارا كثير الحساسية و الدقة .هذا بالإجمال بعض أهم مستويات قراءة الفلم الذي لا يحاول التفسير و لا الإجابة و لكن اكثر منه عرضا و صورة للضحية ، فالجميع في هذا الفلم ضحية.
*** تحدث البعض عن إلغاء بعض المشاهد التي يتطرق فيها أحد الخاطفين بالحديث إلى فرويد و سار تر كان من الممكن أن تساهم في توضيح صورة بيروت الثقافة في الغرب.

مارون بغدادي: لقد آثرنا في بعض الأمكنة أن نركز على بعض النقاط و انتقاء المشاهد الأكثر أهمية و إلغاء البعض الآخر . فكانت قوة الفلم في إعطاء أوسع فكرة و اكبر صورة ، في أضيق مكان هو زنزانة المخطوف و بأقل وقت ممكن .صحيح انه كان بوسعنا أن نقول الكثير، ولكن يجب مع بعض التواضع أن يقتنع المخرج بأنه لن يستطيع قول كل شيء و لا يستطيع من خلال فيلم إعادة ترميم ما تهدم و لكن ما يفعله إيصال فكرة و إعطاء صورة واضحة عن موضوع ما، ليكون ضوءا جديدا يسلَّط على زاوية من زوايا هذه الغرفة الواسعة.و إن ما اطلبه هو أن يكون هناك الكثير من الأفلام و الكتب و الروايات فلكل نظرته و إحساسه و تجربته لضمان التجديد و التطور و التقدم و المعرفة.

**** حتى الآن قدمت أربعة أفلام عن لبنان و لكن جميعها كانت في إطار واقع هذه الحرب و الأزمة.
مارون بغدادي: أخبرت ما اعرفه و سردت ما عندي و أعطيت ما لدي و ما أستطيع في هذا المجال.لم تُعرض أفلام كثيرة عن لبنان حتى اليوم و هذا سبب من أسباب توجه الجميع نحو هذا الفلم و التصويب عليه.عندما تكثر الأعمال عن موضوع ما ، تختلف النظرة حوله و تصبح اكثر صوابية.على اللبنانيين أن يهدؤوا قليلا و يقلعوا عن بعض الهواجس و المظاهر كالتصنع مثلا. بعض اللبنانيين، يحاولون أن يعطوا صورة غير صحيحة عن أنفسهم و خصوصا في الخارج .مثلا في باريس ، يحاولون أن يظهروا و يتصرفوا كالفرنسيين و هذه عقدة متأصلة و هرب من الحقيقة و تشويه للهوية.و خاصة يجب أن يكفوا عن شكهم ووسواسهم حيال صورتهم الصورة التي يودون أن يعطوها عن أنفسهم ، لأنها لن تكون أبدا صحيحة أو حقيقية .أنا مشكلة مثل هذه لا املكها و هذا سبب من أسباب نجاح عملي في باريس ووصولي إلى ما أريد.
شركة بارادوكس نفذت العمل كاملا عن لبنان و أنا لبناني و دخَل الفلم في إطار مسابقة مهرجان كان الدولي ممثِلا فرنسا، و هذا مهم .عندما نعطي الحقيقة بكل إخلاص و عندما نكون دائما أنفسنا بكل وضوح عندها نمتلك حظا اكبر للوصول إلى الهدف و إيصال الرسالة و لكن عندما نختبئ و راء قناع و نحاول التقليد عندها نفشل و نذوب.

*** تتكلم عن إيصال رسالة ، إلى من تتوجه بها أصلا في هذا الفلم؟

مارون بغدادي: رسالة هذا العمل وصلت للجميع على ما اعتقد و ذلك واضح، و لكن ما أريد قوله في النهاية يبقى العمل عملا فرنسيا، حققناه من اجل عدد كبير من المشاهدين و ليس من اجل عدة آلاف من البيروتيين الذين يذهبون إلى السينما و إنما ليشعر هؤلاء المشاهدون بحقيقة بعض الأمور. الفلم ليس صادرا عن وزارة السياحة من اجل إعطاء صورة كاملة عن لبنان ، و لكنه حالة عن صورة معينة ربما جارحة و أليمة و لكنها واقعية حقيقية و موجودة و رغم وجوه الخاطفين القاسية ما زال في قلوبهم الكثير من الطيبة و الرحمة . أنا اعتبر أو أريد أن يكون الفلم مرآة للآخرين للغرب مثلا ، و كأننا نقول لهم إن ما وصلنا إليه كان جزءا منه بفعلتكم و ليس بعيدا عنكم و قد يصل إليكم بما انه إنساني أيضا . في لبنان لم تكن السلطة موجودة و لا الدولة بل كان هناك كونفدرالية أشخاص، أعطوا وكالاتهم للدولة و عندما بدأت الحرب، قاموا بسحب هذه الوكالات .فالعائلة تمر قبل الضيعة و الضيعة تمر قبل الوطن أما في فرنسا و بعد قيام الثورة عرف الشعب المعنى الحقيقي للدولة و لمفهومها لذلك آمنوا بها و نجحوا في بنائها.

***هل استطاعت السينما أن تعبر عن حقيقة ثورتك هذه؟

مارون بغدادي: لقد عبرت عن نفسي في كل الأفلام التي نفذتها.عندما أخرجت فلم حروب صغيرة ،كان يقال أشياء كثيرة عن الحرب و مخلفاتها و جنونها و جنون رجال السياسة و كيف عندما ابتدأت الحرب كان الكثير مقتنعا بان الحرب ستغير أشياء كثيرة في لبنان ،خاصة أول حرب ال75 ،كان الجميع تقريبا يحلم بأيديولوجيات و كيف اليوم نرى أن الإقطاعية لم تزل في السلطة لا بل تأصلت جذورها اكثر من أي وقت و لكن ربما بصورة جديدة. نتساءل، هل 15 سنة من الحرب كانت لنصل إلى ما نحن عليه اليوم ؟ أم الرجوع 20 عاما إلى الوراء ؟ أم إلى الأحزاب و الانتماءات أم إلى العشائرية؟ اعتقَد الجميع أن هذا البلد سيصبح أمة و سيكون لديه هوية و خصوصية و لكن انتهت الحرب مع بلد و لن نقول وطن من غير هوية و رجوع إلى الوراء.
***ألم يكن لديك طموحات سياسية؟
مارون بغدادي: أبدا، برأيي الفن أقوى، بعض الأعمال الفنية قد تحُدث ضجة أو ثورة أو تغيير ا اكثر من السياسة .تصوري كم أوْجَدَ هذا الفلم من نقاش و حوار حوله ؟.

1 commentaire:

Anonyme a dit…

test test