jeudi 17 mai 2007

يوسف شاهين


كان ذلك ذات أمسية صيفية من عام 94 في شارع سان جرمان الباريسي، كنا نتمشى نحن الثلاثة على غير هدى، كان يوم خميس و كنت سأغادر يوم السبت في إجازتي السنوية، عندما لمحته يعبر الشارع هل أملك وقتاً كافياً؟


حتماً لا!لكن ما همّ، لن أتركه يذهب قبل أن يترك بصمته الصوتية في آلة التسجيل ! اعترضته و تحولت إلى لصقة أميركية فعلت فعلها و كان لي موعد معه في اليوم التالي.


هنا نصّ الحوار الذي جرى في 8-8-1994


مرحلة فيلم بياع الخواتم
يوسف شاهين :كان أوّل لقاء لي مع فيروز و لم يعجبني صوتها فقط بل أعجبتني طريقتها المنظمة في العمل احترامها الدقيق لمواعيدها، وتحلّيها بكل الصفات المهنية اللازمة.أما الذي كان يطير صوابي و صوابها فهو عاصي و لقد نصحتها بتركه(يضحك) ...
رائعة كانت مرحلة بداية التسجيلات في أستوديو بعلبك، كنت استمع إلى عاصي و منصور و أراقب عبقريتهما عن كثب . كانا يعرفان تماما ماذا يريدان ، النبرة ، التركيز على أداء كل كلمة في الأغنية و كانت فيروز تنصاع للأوامر وتؤدي المطلوب منها تماما. رغم ذلك كان "سي عاصي" يعصّب عليها ،لم اعان من مشكل أثناء تسجيل الأغاني ، لكنني أعلمت عاصي انه و بانتقالنا الى مرحلة التصوير عليه ألا يتفوه بكلمة و إلا"ح فرقعلك البلاتوه" بمن فيه . لم يخل الأمر من بعض النقاشات الحادة أثناء التصوير بيني و بين عاصي..مع فيروز أبدا، رقتها كانت غير معقولة .

لو أردت أن تعيد اليوم تصوير بياع الخواتم من أي زوايا مختلفة ستتناوله ؟

يوسف شاهين :كنت أتمنى أن أصور في الطبيعة اكثر. الفلم كان شبه جاهز و قد تم تنفيذ الديكور مثلما كنت أريده تماما لكنني وجدت نفسي أسير التصوير الداخلي و لشدة جمال الطبيعة اللبنانية كنت اشعر أنني مقموع في عدم استغلال المناظر الطبيعية في التصوير. الفريق كان مهنيا إلى أقصى حدود وكان الممثلون يعملون باحترام مخيف لنظام العمل إضافة إلى السحر الخاص الذي أضْفَتْه قصة الفلم الفانتازية على العمل. أتعلمين انه كان من المفروض أن يقوم مخرج آخر بتنفيذ هذا العمل و لكن في النهاية قمت أنا بإخراجه.

شرط البرنامج أن تكون المذيع لدقائق قليلة , كيف تفتتح هذه الفترة ؟
يوسف شاهين : دعيني أقول لك شيئا: لا احب أن يشترط علي أحد. قولي أتمنى عليك أن تلعب هذا الدور ،ربما أوافق لكن أن تشترطي علي فهذا الأمر يزعجني و يذكرني ببعض المنتجين اللذين كانوا يحاولون أن يفرضوا شروطا معينة على عملي .
مررها هذه المرة فهو ليس شرطا تعجيزياً
يوسف شاهين: أهلا بالسادة المستمعين و يسعدني أن اقدم لكم ضيفة لقاء اليوم، السيدة خوري، التي سأفرض عليها شرطا من شروط البرنامج الأساسية و هو أن تقوم بمهمة تقديم الحلقة كاملة .

من تختار ضيوفا لفقرتك و ما نوع الأسئلة التي تطرحها عليهم ؟
يوسف شاهين : ربما استضيف صنع الله إبراهيم. أحيانا اشعر أن الظروف جعلتنا نتكلم عن واقع متشابه و لكن كلٌّ من زاويته الخاصة. هو من خلال القلم و أنا من خلال عيني بتحليل متشابه إلى حد ما. يعني موقفه مع الرجعية مع ما أسميناه الانفتاح ، ما يطرحه من أسئلة حول حقيقة ما يريده الغرب منا نحن العرب و متى سيتركنا و شأننا .أَطمَئِنْ عندما أجد هذا التشابه بين أفكاره و أفكاري. مثلا ما هي المعطيات الموجودة في السياسة الدولية و الداخلية ، أين نحن اليوم ؟ أين هو الإنسان العربي ؟ نضرب بعضنا بعضا ونبرع في ذلك ثم نقول هناك لغة توحِّدنا و كأن الموضوع هو موضوع لغة !طيب ألا يوجد أمور أخرى ؟ لا أحد يعي خطر الرجعية في الغرب، هذا أمر بالغ الخطورة . المجتمعات الغربية تتجه نحو الفردية و العنصرية بدل الترابط الذي كانت الإسكندرية و بيروت مثالا له في فترة من الفترات. الناس تفتقد اليوم التضامن و التقدم اللذان يلزماننا بالتعايش مع بعضنا ، أعجبنا الموضوع أم لا . علينا أن نستغني عن الوحشية التي تحكم العالم .هناك جانب غير أخلاقي، لو فرضنا أن نسبة البطالة في الغرب تعادل 12 بالمائة مثلا، لا يجب أن ننسى انه يقابلها 50 بالمائة عند العرب..ما شاء الله نحن أيضا "جدعان" في الأمور السلبية و يقولون لك، لا، أحوال العالم تسير على خير ما يرام . يخيل الي أحيانا أن أنظمتنا هي التي تتكلم ، أي كله كذب أو على الأقل أحلام. دعيني اعتبر أننا متخلفون قليلا نحتاج إلى مثل أعلى .. أنا لا أرى اليوم مثلا أعلى نقتدي به، لا تعجبني التركيبة لا في أميركا و لا فرنسا و لا إنكلترا و لا السويد . لا أرى الجانب الإنساني للأمور في هذه الحضارات . أعود إلى شرقنا أقول ربما هناك شيئا مختلفا ، نحن نملك حضارة لا شك في ذلك لكننا لا نتطرق بالحديث إليها!! ماذا تعني الحضارة ؟؟ استيراد التكنولوجيا من الغرب لتأمين غدنا و مستقبلنا؟؟ أو أن نبحث عن الدفء بين "البني آدمين"، نقرأ في عيون بعضنا البعض، نبحث لنعرف ماذا يوجد في قلب الآخر. لست الوحيد الذي يفكر على هذا النحو و عندما أجد مجموعة من المثقفين تتبنى هذه المواقف مثلي تماما، اطمئن..

تتكلم عن دفء العلاقات بين الناس في حين يعتبر المقربون منك أو بعضهم على الأقل انك يأست من آلية هذه العلاقات

يوسف شاهين :لا بل عندي شفقة نحو الذين لا يعرفون كيف يبنون علاقاتهم مع الآخرين . شخصيا أجد أن علاقاتي مع الناس تأخذ طابعا حميما بسرعة شديدة ، بالأمس فقط لم اكن اعرف انك موجودة في هذا العالم و اليوم اجلس و استمتع بالإجابة على أسئلتك.
حدِثنا عن "حدوتة "يوسف شاهين
يوسف شاهين : "أنا فلقتكم بيها" بثلاثة أفلام. أيّ يوسف شاهين فيهم أيّ مرحلة ؟ لا فرق كبير بين مراحل حياتي السينمائية و الحياتية.. السينما تأخذ تقريبا القسم الأكبر من حياتي و تفكيري ووقتي. زوجتي "غلبانة" في هذا الجانب و لا تغار من السينما تحديدا فهي تعرف تماما أنها في حال تسببت لي بالمشاكل فلن تأكل "الفيليه اللي هي نفسها بي". لو كنت مكانك لكنت طرحت السؤال على الشكل التالي : هل تستأهل حياتك كلها أن تكون فقط سينما؟؟ إجابة على هذا السؤال أقول:عدا عن أن السينما لغة مميزة و جامعة لعدة مهن في آن، فهي تتيح لي أيضا مخاطبة مجموعة كبيرة من الناس التي أعطتني على الأقل ساعتين من حياتها لمشاهدة أحد أفلامي و بما أنني أخرجت أفلام كثيرة ، معنى ذلك أنني سرقت 60 ساعة على الأقل من وقت العرب الذين شاهدوا أفلامي .لا اشعر أنني فقدت شيئا لأنني أعتبر أنّ كل ذلك تضحية تغمرني بالسعادة، هذا عدا عن المتعة التي يؤمنها لي العمل السينمائي .حياتي هي السينما و السينما أعطتني السعادة التي ابحث عنها أعطتني حب الاستطلاع و غير ذلك من الأمور التي اعجز عن وصفها و سأتابع إلى أن تحين ساعة موتي بعد عمر طويل إن شاء الله(يضحك)أو آمل ذلك على الأقل.
معروف انك مشاكس و عكس التيار دائما
يوسف شاهين : (يحتجّ) "يا دي التيار"!!!خذي تيّار الأغبياء مثلا ، هم التيار الكبير صحّ؟ إذن لماذا أكون أنا دائما المشاكس ؟؟!! هم اللذين يشاكسونني ، لماذا لا تقولين إنني أنا من يسير في الطريق الصحيح و هُمْ في الطريق الخطأ ؟؟ أرى أنّ ما تطلقين عليه كلمة تيار هو الناحية السلبية و ليس العكس بكل الأحوال أعرف أنه عليّ أن أبقى دائما عكس كل التيارات..
هل اكتسبت هذه المشاكسة عبر السنين أم ولدت فيك طفلا؟
يوسف شاهين : تريدين أن تقولي أن أخلاقي "زفت" ، حسنا سأوافقك الكلام ! لو تريدون لي أن أبقى خادما لدى الأنظمة التي تشتري الفنانين و تجعلهم يعملون خدما لديها، هذا أمر آخر .إذا كانت الأنظمة تريدني أن "أطبل" لها ، فلن افعل ! لماذا تريدينني أن اهلل لأنظمة لا تعجبني أساسا؟ هذا ما يسمونه مشاكسة ؟ وجودهم هو المشاكس بالنسبة لي .ثم لماذا تعبير مشاكسة؟ ألم تجدي تعبيرا أخف ظلا من هذا ؟ قولي "أزُقّْ شوية"، حتى نفسح مجالا للناس لكي تفهم ، لست مضطرة لاستعمال تعبير "مشاكسة".

لولا الصدفة التي جمعتنا بالأمس في حيّ "سان جرمان" الباريسي لما كان هذا الحديث، ماذا تفعل اليوم هنا؟

يوسف شاهين :أنا أضع اللمسات الأخيرة لفيلم المهاجر الذي سيَفْتتح مهرجان" لوكا رنو" أمام سبعة آلاف مشاهد في الشارع,على شاشة عملاقة . أحاول أن اصل بالجودة المطلوبة لان الفيلم يمثلنا جميعا و لا احب أن اسمع كلاما عن نواقص أو ثغرات فيه. قصة الفيلم معروفة منذ أزل التاريخ ، مستلهمة من قصة يوسفو تعرفين أنّ التجسيم ممنوع لذلك استلهمت فقط الحوادث. يوسف موجود في كل واحد فينا, و ستجدين في الفيلم حوادث كثيرة لها علاقة بحياتي الشخصية . أنا أردت التكلم عن إنسان عادي لتصبح القصة اقرب للمشاهد لأنني أجد الرب و الأنبياء في الإنسان العادي و الطيب خاصة ثم لا تنسي أن الطيبة سلاح خطير.
قصص الأنبياء قرأها الناس مرات عديدة و القراءة غير السينما. معالجة قصص الأنبياء في السينما أمر معقد وخطير ابتعد عنه و اعمل كما قلت لك على صورة الإنسان العادي .

بغض النظر عن قصة المهاجر أفهم أنك لا تؤيد نقل الرواية إلى السينما ؟
يوسف شاهين :لقد عملت مع كبار الكتاب، محفوظ ، الشرقاوي، حسن فؤاد، صلاح جاهين، يوسف إدريس الذي اختلفت معه- هو مجنون و أنا أجَنّْ- وهُمْ من خيرة الكتاب. لا لست مع الاقتباس و افضل أن أتفاهم مع الكاتب الذي يشبهني بمواقفه السياسية، الأخلاقية و الاجتماعية .أبحث دائما عن الكاتب القريب إلى نفسي ، الذي يقول ما ارغب بقوله تماما لنخلق شيئا جديدا. الأرض مثلا ،كان عبد الرحمن يكتب جزءا من القصة كل أسبوع و كان كاتبا خطيرا و شاعرا .لكن أحيانا كان ينسى ماذا كتب عن شخصية ما، لنراها في منتصف القصة وقد تغيرت .فوجئنا عندما قرأنا القصة كاملة فأمطرته بوابل من الأسئلة، لنتفق و نتوصل إلى خلاصة عن ماهية الشخصية .كيف يراها الكاتب؟ مَن مِن الممثلين أو الناس العاديين الذين أجدهم في أماكن غريبة يصلح لأدائها في نظره ؟ كيف يراها و يجسمها؟ لماذا اهتمَّ الكاتب بهذه الشخصية في هذا الظرف بالذات ؟؟ يجب أن افهم الشخصية من الإنسان الذي كتبها.أسال ما الذي جعله حساسا تجاه هذا النوع من الشخصيات دون الأخرى؟ هناك موقف سياسي اجتماعي و أخلاقي وراء ذلك .فهو حكما يفكر في حالة الناس المحيطة به و بنفسه أيضا.

عودة إلى فيلم "المهاجر"، لماذا دائما بعد كل عرض فيلم جديد ليوسف شاهين تقع الإشكاليات مع الصحافة و النقاد السينمائيين ؟
يوسف شاهين: لو كان لهم آراء مضادة لارائي حتما سنختلف .إذا عبّر لي أحدهم عن عدم إعجابه بجانب معين من الفيلم هناك احتمال أحيانا أن أقول له "أنت حمار"و إذا قلت له ذلك سيغضب ويشتمني في الصحيفة فيقول لي أنت "حمارين" و في أحيان أخرى كنا نتفاهم . مرة كان هناك "قفل" شتمني إثر نجاح كبير جدا في "كان" عن فلم قصير " القاهرة منورة بناسها"، حمَلَت شتيمته الكثير من القسوة لدرجة أنني شعرت أن هناك مراجع عليا وراء المقال و كأن هناك قرارا بتحطيم يوسف شاهين . طبعا اكتشفت مَنْ كان وراء الموضوع و لا أستطيع أن أنكر الضغط الذي كان في ذلك الحين. الممتع في الموضوع كان أن تأخذي الفيلم و تعرضيه في نقابة الصحافيين، هم الذين جابهوه , و ردّوا عليه بشكل أقسى. افرح بوجود عناصر و أفراد يؤمنون بالديمقراطية و هذا موجود .الديمقراطية هي الغائبة أما الأفراد الديمقراطيون موجودون.. و إضافة إلى كونهم مثقفين ، أجدهم يتمتعون بحساسية مفرطة تجاه الآخر و بإحساس الدفاع عن الشيء الجيد لأننا يا سادة يا عرب علينا بالاستفادة من الآخرين . في بعض المجتمعات نجد أن صاحب الموهبة الحقيقية يحصل على دعم كبير و تُقدَم له كل الفرص المتاحة حتى يصل إلى القمة .كل ما أريد قوله انه يجب علينا أن نترابط ،من رجال مال و أعمال و اقتصاد و فنانين , لأننا كلنا نشكل جزءا من الآخر.

تتوقع "للمهاجر" أن يسبب إشكاليات مشابهة ؟
يوسف شاهين :لا أظن . ذلك أن القصة بسيطة جدا و شفافة و لم اشعر بأي داع للمواربة أو الخبث، كل ما كنت أريده هو التوجه إلى الشباب من خلال شخصية يوسف الصارمة و التي استطاعت مجابهة التحديات الكبيرة . شباب اليوم يشكو كثيرا من الفقر ومن البطالة و غيرها من المشاكل الصعبة و يقولون لك انهم تعبوا و ملوا. لا افهم ما الذي أتعبهم ؟ أنا لا أرى أن الحياة اليوم أصبحت اصعب مما كانت عليه، هي فقط مختلفة .الحياة في السابق كانت اصعب، بعدم وجود وسائل تتيح التعبير عن المكنونات .أنا أيضا كنت فقيرا و عانيت كثيرا في حياتي قبل أن أحقق ما كنت أصبو إليه .المفتاح هو الإرادة .المطلوب من شباب اليوم التحلي بالإرادةو الابتعاد عن الكسل و العمل بجدية و رزانة للوصول. السعادة لا تكمن في المال الذي نطمح إلى تكديسه بل في الآخر المحيط بنا و الذي يقلق علينا و يحيطنا باهتمامه، هذه هي السعادة !

تقول" المهاجر" موجّه للشباب، بأي روح تخاطبهم اليوم ، روح الشباب أم الشيب الذي غزا رأسك ؟
يوسف شاهين : (يحتدّ).أنا لا أنظر في المرآة و لا تعنيني قضية الشيب و المشيب، أشعر أنني لا أزال أشكّل جزءا من هذا الشباب الذي نتحدث عنه نضالهم هو نضالي و هو نضال مستمر ..لا بد و أنك لاحظت أنني في كل فيلم جديد ابحث عن موهبة شابة جديدة و أحيطها بأهم المهنيين و افتح أمامها فرص الوصول إلى القمة، فإذا كانت موهبة حقيقية و صادقة ستصل حتما كما خالد النبوي الذي اعتبره موهبة جيدة . في كل فيلم احرص على البحث عن المواهب الشابة الجديدة و تقديمها .اهتم فعلا بحياة الشباب و بما يفعلون و يفكرون و هذا ما يمنع المرآة من القول بأنني عجوز و أنا لغاية الآن لم اشعر بذلك و لا اشعر بان هناك فرقا بيني و بينهم ...

تحدثت منذ قليل عن الذاتية اللي كنت أول من ابتدعها بالسينما العربية ,ألا تعتقد أن الذاتية تفضح صاحبها إذا نشرها على الملأ ؟

يوسف شاهين :أولا كان فهم كلمة ذاتية خطأ و أنا افضل الكلمة التي قلتِها أنتِ: تفضح . لو أنت صادقة، نعم ستقولين أمورا عادة لا تقال سينمائيا . السينما كانت بورجوازية و لم تتخذ أي خطوة في سبيل تربية الناس,على فهم الاختلاف و التشابه بينها و بين الآخر . خطورة أنها تفضح؟ من الذي قال إن حياة الإنسان ملك له وحده؟ و بما أننا نعيش حياتنا مع الآخرين و للآخرين بالتالي تصبح ملكا لهم أيضا. ثم كان هناك الفهم الملتبسلما أسموه ذاتية . أجد أن الكلمة شديدة الغرابة و فُهِمَت على أساس أنها تفخيم و تعظيم في لنفسي.لذلك أحببت التعبير الذي استعملتِه لدى طرحك السؤال . شعرت انه من واجبي أن أقول ما قلت و لو تذكر العرب حكاية من حكاياتي فسيكون هذا الموضوع بالذات,لأنها كانت المرة الأولى التي يقول فيها أحدهم سينمائيا , "هذا أنا ".

هل كانت جرأة زائدة عن اللزوم ؟
يوسف شاهين : (يهزأ) لماذا زائدة عن اللزوم؟ ثم إنني مشهور بجنوني (مجنون خمسة) و اعتقد أن أهمية الموضوع بالنسبة لي هي التي ولّدت الجرأة تلقائيا و إلا كنت سأفضح نفسي بشكل سيئ يظهرني بمظهر الكذب و المداهنة و أنا اكره ذلك ، أرجوك كفي عن تعذيبي.. (يضحك) ألم يحن وقت انتهاء الحديث؟

ماذا تكره غير ذلك؟
يوسف شاهين : لا ، الكره مرض يجعل الإنسان سلبيا . انظري إلى "الحمير" الذين يتقاتلون و يبيدون بعضهم البعض أفهم أن يكون هناك سوء تفاهم ، اختلاف فكري ، فلسفي ديني ، حتى لو عدنا إلى قراءة الأديان بتمعّن نجد أنها تدعو إلى التضامن و المحبة . هذا أمر هام يمكِّن الإنسان من العيش بسلام مع نفسه أولا ، الكراهية لا توصلنا إلى أي مكان عدا الخراب بمختلف أشكاله.

ما رأيك بتعريف مدرسة يوسف شاهين ؟ هل هناك فعلا مدرسة " يوسف شاهين" و ما رأيك بالجيل الجديد الذي نرى بصماتك واضحة في أعماله ؟
يوسف شاهين : بصمات ماذا؟ يعني ضربتهم كفا موجعا فبانت بصماتي على خدودهم؟؟ لا أنا اعترض على تعبير مدرسة يوسف شاهين، المدرسة أمر كبير ,دعيني أقول إنني ربما ساعدتهم على الفهم عندما قرروا ممارسة هذه المهنة تحديدا.كنت اشرح لهم متطلباتها و صعوبتها , كنت أوضح لهم أن دخول هذا الميدان من اجل الشهرة و المال فقط أمر باطل , لأنني صادفت من كان يتعامل مع الموضوع من هذا المنظار . كنت أكلمهم عن احترام المهنة , عن واجب تحمل مسؤولية كل عمل نقوم به . أن تسرقي ساعتين من حياة الإنسان كما سبق و ذكرت هو بحد ذاته مسؤولية , على العاملين في هذه المهنة احترامها . كنت أقول لهم إذا لم يشعروا يوما بقدرتهم على تحمل هذه المسؤولية , فمن الأفضل ممارسة مهنة أخرى,لكن أن ندّعي القدرة على الوصول بعمل ما إلى نهايته و نعجز في منتصف الطريق فنتوقف , هذا ما اسميه بالخطر العربي الأخلاقي. فإذا أردتِ القول إن هناك بصمة , تركتها لدى البعض من الجيل السينمائي الشاب ,فهو بعض النصائح التي تَلزِم الفنان أن يعشق مهنته بحيث تتحول إلى الأوكسجين الذي يتنفسه و لا يستطيع العيش من دونه
إذا عرفت كيف أوصل رسالة واضحة عن قداسة المهنة أكون قد قمت بعمل جيد و لا أنكر أن أعمال معظم هذا الجيل الشاب جيدة و إذا تابعوا على هذا الشكل, "ح ابتدي أغير منهم" (يضحك) و لكنني سأفكر بطريقة أخرى "اديهم خوازيق"و اعطل أعمالهم ، علّهم يتركونني أتنفس.

في أحد أحاديثك الصحافية عقدت مقارنة بين القاهرة و الإسكندرية. أسميت الإسكندرية أمك و الأخرى معشوقتك
يوسف شاهين : "ياه كم أنا شاعري" (ضحك).
أصلا أنا لم أولد في القاهرة و لكن عشتها تماما منذ أن عدت حاملا شهادتي , التي كنت اعتبرها غاية في الأهمية لذلك أضعتها , أرجو أن لا تخبري أحدا بذلك حتى لا يسترجعوا مني الجوائز التي قدمت لي, لئلا يقولوا عني ,ولد متخلف اصبح مخرجا (يضحك) .كان عمري عشرين عاما, منذ ذلك الحين و أنا أعيش فيها و ارتباطي بهذه المدينة خطير. عاشق دائم لها ,احب ناسها و أشياء أخرى فيها ثم إنني ارتبط بالعالم من خلال هذه المدينة , فيها اعمل ,أعاني ,اضحك و ابكي إذا تركتني أتابع حديثي على هذا المنوال ,سأتحول إلى شاعر يفتش عمن يفهمه (ضحك) ...

في باريس تعاملت مع الفرنسيين مسرحا و سينما, كيف تعاملوا معك كعربي ؟

يوسف شاهين : أُسمَّي باريس مدينة الإغراء ، سينمائيا أجد فيها تكملة تقنية لأفلامي , اعمل فيها مع أشخاص لا أرى انهم يختلفون كثيرا عن العرب , فهم يكذبون مثلنا تماما و لديهم أحاسيس شبيهة بأحاسيسنا,و تسود أجواء من التفاهم التام بيني و بينهم . عندما قدمت مسرحية "كاليغولا" , في (الكوميدي فرانسيز) , عملت مع كبار الممثلين و الممثلات ,وكان هناك نجمة فرنسية كبيرة, تعاملَت معي في البداية بتعالي,لكني حولت الموضوع إلى "تعاليلي يا بطة", قلت لها أو أننا سنتعامل بلغة القلب للقلب أو سأستعدّ لترك العمل, خاصة و أنني لا املك عقدة "الخواجه" . لا شك أن بلادهم متقدمة على بلادنا بأمور كثيرة, و لكن على المستوى الإنساني لا اشعر بأي فرق .لماذا لا نناقش بجدية؟ يقولون لك نريد أن نتحاور ,حوار الشمال مع الجنوب ,و يضعون البندقية على طاولة الحوار.لا أستطيع أن أتماشى مع هذه الطريقة في التعامل , أؤمن بالمساواة بين جميع شعوب الأرض , احترم من يحترمني و مستعد لأن "امسح الأرض" بالذي يقلل من احترامي, علما أن هذه الطريقة تؤدي بالحوار إلى لا شيء. مدير مسرح الكوميدي فرانسيز عرف كيف يتعامل معي باحترام ,ترك لي حرية التصرف بنصوص "كامو", حيث جعلته يخدم قضية أريد التحدث عنها و ليس العكس , هذه الممثلة الكبيرة إياها ,جعلتها تصعد إلى خشبة المسرح و تصرخ "يا لهووووي", ترك لي حرية التصرف بإدخال رقصات شرقية على العمل , الذي حاولت من خلاله , أن ابحث عن اوجه التشابه بين واقعنا و التاريخ. تم هذا الأمر بعد حرب الخليج .تعرفين خلال حرب الخليج كنت مثل "العفاريت الزرقاء" في عيون الكثيرين ,فقط لان الحكاية لم تعجبني ,و اعرف انه كان بالإمكان إيجاد سبل أخرى لمعالجة المشكلة. دعينا من الحروب , بالعودة إلى حديثنا , قيل لي انه منذ اكثر من عشر سنين ,لم يشهدوا نجاحا شعبيا من هذا النوع في الكوميدي فرانسيز ,فقط لأنني قلبت مفاهيم الكلاسيكيات في هذا العمل. يشدني عشق باريس للحياة لأنني أشبهها في ذلك و يشدني الفكر فيها , لأنني من الباحثين عن التفاعل بين الحضارات و هذا ربما ورثته من يوسف شاهين الاسكندراني.
بيروت عشت فيها سنت و نصف ثم عدت إليها بعد غياب طويل
يوسف شاهين : أول مرة سمعت فيها كلمة "البردوني" كان عمري ثلاث سنوات, و رأيت كيف توضع البطيخة و تنكسر في مياهه الباردة , و لدي بعض الذكريات من مدينة "زحلة" حيث كنا نصطاف . في إحدى الفترات في القاهرة ,أحسست أن بعض الناس تحولوا إلى نوع من الفاشية الغريبة , التي تمنعك من التفكير حتى . كانت حادثة مع أحد الرجال المهمين أو هكذا يوصف , كانت صفته وزيرا , وكان يطلب مني أن أتماشى معهم , فشرحت له أنني لا أستطيع أن أفكر "بنافوخه" هو , لا اعرف أن أتماشى مع أحد إلا عندما يهتف قلبي لذلك ,فساءت الأمور و التجأت إلى لبنان ,علما انه كان بإمكاني الذهاب إلى أمكنة أخرى ,لكنني كنت على يقين أنني سأجد في لبنان حضنا, اعرف شكله و رائحته و أشياء كثيرة عنه و لم أكن مخطئا في تقديري.
مالي أراك تتململ؟
يوسف شاهين : (يسخر) لا أبدا بإمكانك أن تتابعي الحديث لمدة ساعتين إضافيتين , فأنا "فاضي الأشغال" لا عمل ينتظرني.ثم ما هذا البرنامج "أبو تعريفة" الذي لا ينتهي؟ ماذا لديك أيضا؟
كلمة أخيرة!
يوسف شاهين : بعد ساعة و نصف من الكلام أقول لكم , فرحت جدا , يا سلام و لكن أرجو منك أن تطلقي سراحي فورا و دعيني اشتاق إليكم ,أما إذا أردت إجراء حديث آخر لمناقشة فيلم المهاجر, فذلك لن يحدث إلا بعد أن تشاهدوا الفلم عشرات المرات و تشتروا التذاكر بالعشرات، لاغطيه ماديا و يرتاح قلبي ,عندها أناقشك لمدة مليون سنة ، لا مانع.

5 commentaires:

Anonyme a dit…

حلو الحوار، مش تقليدي.. وحلو يوسف شاهين. يمكن يكون كإنسان أحلى حتى من أفلامو . أوقات بيعجقها زيادة عن اللزوم(خصوصاً بأفلامو الأخيرة)، بتحسي انو بدو يناقش مواضيع الدنيا كلها بفيلم واحد. بحب لو كتير صراع في الوادي وباب الحديد وانت حبيبي وبياع الخواتم..

ريتا خوري a dit…

غيدا
أؤيدك الرأي بخصوص أفلامو الأخيرة
و اكتر واحد فيها ضربلي على اعصابي كان سكوت هنصور
يمكن الواحد بعد كل هالعمر بيكون قال كل شي بدو يقولو
يمكن بيكون فضي
بس بتصور انو اخر واحد و اذا مش غلطانة اللي اسمو نيويورك نيو يورك كان مش عاطل
هالانسان كاراكتير بكل معنى الكلمة
طبيعي و عفوي بشكل مش طبيعي
في فيلم وثائقي عم ينعمل عنو عبارة عن سلسلة حلقات، اتيحت لي فرصة مشاهدة واحد منها
بتحسي بينو و بين افلامو مش كتير في فرق و الاهم انو بيشبه حالو
مودتي

All Seeing Eye a dit…

est ce que ton vrai caractère est très sale caractère (dans tes émissions)?

ريتا خوري a dit…

all seeing eye
plus que vs pourriez l'imaginer
:))
Au fait ca fait kkes jours que je me pose des questions sur la nature de mon prochain post.. vs m'avez donne une idee. merci
a+

All Seeing Eye a dit…

ouffffffffff, ça promet. :S